ماهي أعظم مخاوفك؟
هل وجهت إلى نفسك ذلك السؤال؟ وهل ستجيب عليه إجابةً واضحة إذا ماوجّه إليه؟
ما مقياس الرضا عن حياتك، عمّا تقوم به، عن عملك، عن علاقاتك؟
كثيرًا ما تقفز تلك الأسئلة إلى ذهني، وأنظر دائمًا إلى الجزء الفارغ من الكوب “كما يقولون”، فتعظم النقائص في نظري، ويتكوّن شعور بعدم الرضا في داخلي، لماذا لا يمتلئ الكوب، لماذا ذلك الفراغ، متى سيمتلئ!؟
الخوف من عدم تحقيق الكمال يعيق سير الحياة، يعيق المرء عن العمل، وعن تحقيق النتائج، لا بأس بذلك الطموح في الأشياء التي في متناول اليد، لكن الأشياء التي تخرج عن سيطرتك فإن تضييق النطاق للحد الذي يجعل من تقبلها أمرًا مستحيلًا قد يخلق شعورًا بالإحباط والحزن والتذمر.
كالذي يدور حول حفرة ويخشى السقوط فيها، فيظل يدور ويدور إلى أن يسقط متهالكًا في تلك الحفرة، يصرخ ويبحث عن مساعدة، عن مجيب، عن عابرٍ ينتشله من ذلك الظلام ويخبره بحنوّ ولطف أن الطريق من هنا، أو لو أنه يمسك بيده ويرافقه إلى الطريق الصحيح سيكون أفضل!
خوفك الذي يجعلك تدور في دائرة مفرغة، فلا أنت الذي قدّمت عملًا كاملًا، ولا أنت الذي تراجعت تراجعًا تامًا، تظل في خوف وقلق، وغالبًا عند عدم تحقيقك للنتائج الكاملة تدخل في حالة لومٌ دائم للنفس، لدرجةٍ تشعر فيها بأنك لن تخرج من دوّامة اللوم، تلومها على حظها، وعلى ما فاتها، وقد تفسد على نفسك الاستمتاع بالعمل بسبب النقص المتضمن في التفاصيل الصغيرة.
– الباحث عن الكمال: يركز على النتائج دائمًا، ويغفل عمّا بين يديه من تفاصيل ممتعة قد لا تتكرر، أراه من وجهة نظري يعيش في اضطراب دائم، على سبيل المثال: إذا كان العمل جماعيًا فإنه لا ينتبه إلى روح الفريق، إلى الألفة التي تضم الأفراد أثناء العمل، إلى الضحكات والابتسامات والاخفاقات الصغيرة التي قد تضيف إلى رصيد كل فردٍ خبرة ومعرفة، فهو مركز على النتائج فقط، ولا يقبل بالنقص.
وإذا كان الباحث عن الكمال يخطط لرحلة ما، فإنه يخطط لأبسط التفاصيل، لا يقبل الإخفاق ولا النقص، قد يفقد الاستمتاع بنومه أثناء الرحلة لأنه يخشى أن يفسد شيء مما خطط له، لا يقبل الحلول الدنيا، يبحث عن الأكمل دائمًا، وتلك القاعدة والرغبة قد تحرمه من روح المغامرة التي تضيف على الرحلة الشيء الكثير من السعادة والتشويق، قد يحرم نفسه من تجربة جديدة لأنه لا يريد أن يخرج عن السياق الذي خطط له.
الباحث عن الكمال قد يفوت الكثير من الفرص التي تأتي نتيجة إخفاقات أو انكسارات أو خيبات أمل، فالحياة مجال واسع جدًّا، والمتعة فيها بأن تخرج عن المألوف، وأن تعرف أضداد الأشياء، فنقص شيء ما قد يبصرك بكمال آخر، عندما تقدم عملًا وتكتشف فيما بعد أنه لم يقدم بالشكل المطلوب، قد تجدُ توجيهًا لم يكُن بالحسبان، فتقدم الأفضل في المرة القادمة، ولا يعني هذا أن تقدم عملًا ناقصًا، ولكن أن تتعامل مع حالة الإحباط، وتحسن من النتائج مستقبلًا.
– ليس من الضروري تغيير كل شيء ليصبح كاملًا:
ومن ذلك أن تعرف أنك لستَ ملزمًا بجعل الأشخاص يتمتعون بالكمال، تقبّل نقص الطرف الذي أمامك، ذلك سيجعلك قادرًا على تكوين علاقة صحيّة، تقبُّل الأشياء التي لا يمكن تغييرها قد يكون حلًّا جذريًا لكثير من المشاكل.
– الامتنان للنعم الصغيرة:
لا يكفي أن تمتن للنعم بشكل عام، وجدتُ أن في تعداد النعم الصغيرة، وذكرها بالتخصيص فائدة ملحوظة، فمثلًا، أن تقوم بتعداد واضح لكل نعمة على حده، أن تركز لوهلة لنبضات قلبك، ذلك النبض يتم بأمر الله، فالله يريدك أن تكون على قيد الحياة، هذه نعمةٌ تستحق الامتنان، تنفسك الذي يحدث بشكل طبيعي دون تدخلٍ خارجي نعمةٌ تستحق الشكر والامتنان، رؤيتك الواضحة لتفاصيل الأشياء، لضوء النهار، وسادتك المريحة، الهدوء الذي يغطي المكان أثناء نومك والأمان الذي يحفّك وأنت في منزلك بين عائلتك، عندما تودع أحد أفراد عائلتك الذاهب إلى العمل وتعود إلى نشاطك اليومي دون أن ينتابك خوفٌ من (ألّا يعود)، عندما تنام مليء البطن، وتجد الماء متى عطشت إليه، والطعام متى أردته، تلك الامتنانات الصغيرة تعظّم شعور الرضا بداخلك.
– كم مرّةً آمنت بحدوث شيء، بذلت وسعيت، التصق ذلك الشيء بعقلك وتفكيرك، تنام وأنت تفكر به، تصحو وأنت تخطط لأجله، لا تعلم تفاصيل كثيرة، ليست لديك خطة واضحة، ولا خطوات مرقمة تتبعها فيتحقق ذلك الشيء، لكنك تبذل جهدك، تأخذ بجميع الأسباب التي توصلك إليه، يدفعك يقينك وإيمانك بأنه سيحدث ولو بعد حين، تمامًا كما أخفق اديسون مراتٍ ومرات، دون أن يتوقف عن المحاولة، الإيمان الذي يدفعك للمحاولة مرةً بعد الأخرى، تصل لمرحلة تعتاد فيها على الفشل ويصبح صديقك، تتقبله وتتعلم منه، ثم يهديك الفشل طريقة للنجاح، فتكتشف بأن الفشل هو الخطوة الأولى التي تسبق النجاح، والأخطاء هي الدروس التي تكتب بواسطتها وصفة النجاح، فليس من المشروط أن تكون التجربة الأولى ناجحة، ولا أن تكون النتيجة الأولى كاملة، فالنقص والفشل والاخفاق خطوات تسبق النجاح.
– عندما خرجنا إلى الحياة لم يعلمنا أحدهم كيف نطلب الطعام، كيف نمشي، كيف نصل إلى الشيء، ماهي الأشياء المسموح لنا بلمسها، وماهي الأشياء التي علينا الابتعاد عنها، جربنا الوقوف فسقطنا، لمسنا ابريق شاي ساخن فاحترقنا، أمسكنا السكين فجرحنا، لعبنا بالنار فلسعتنا، وهكذا تباعًا، توالت علينا التجارب، فاستزدنا منها معلومات ومعارف، لم يخبرنا أحد من هو الشخص الجيد ومن هو السيء، دخلنا في علاقاتٍ كثيرة ومتنوعة، ندمنا على معرفة فلان، وامتننا لمعرفة آخر، وهكذا مشينا إلى سن النضج، لكلٍّ منّا وصفته الخاصة، وتجاربه الخاصة، لكلٍّ منا عدد صفحات في كتاب خبرته، هنالك من يسجل التفاصيل، ينتبه لأدقها، يتعلم من أصغر خطأ إلى أكبر خطأ، وهنالك من يمشي غافلًا، يعيد الخطأ مرةً تلو المرة، لا تجد طريقةً للتعامل معه لأنه لم يعرف كيف يتعامل مع نفسه بعد، وهكذا نمضي…!
نمرّ بمراحل كثيرة ومتنوعة، متصاعدة الإيقاع تارة، ومنخفضة الإيقاع تارةً أخرى، ننتقل من شغف وطموح إلى يأسٍ وإحباط، ثم نخرج من اليأس والإحباط إلى حالة امتنان واحتفاء، لأن الخوف من استمرار اليأس والبحث عن مخرج كان دافعًا قويًا لأن نجدّد التفاؤل في أعماقنا، لأن الله يحب الفأل، ولأنه عند ظن عبده، فلا تظن السوء أبدًا، مهما بدت لك حالتك سيئة، ولا مرجو أن يتبدّد سوؤها، تلك الحالة مطلبٌ لتميز الأضداد، لن تشعر بقيمة الفرح مالم تجرب الحزن، ولن تشعر بقيمة النجاح مالم تجرب الفشل، ولن تميز الصح إلا بضده، ولا الحسن إلّا بالقبيح، لن تميز تفاؤلك إلا عندمَا تتذوق طعم اليأس، واحذر كل الحذر من القنوط، فهو عدوّك اللدود، ولا تستسلم للصدمات، فتأثيرها سيظهر على صحتك وجسدك، تعامل مع الصدمات بثبات، هيئ نفسك دائمًا للتعامل مع الأزمات.
– جميعنَا ذلك الباحث المتعطّش، ذلك التائه الذي يبحث عن الكمال، نريد أن نحرز أكبر قدرٍ ممكن من الأهداف الصائبة، نخاف الفشل والخطأ، لدينا ذلك الضمير القاسي الذي يشبعنا ضربًا إذا ما وقعنا في الخطأ، والنفس اللوامة التي تنضجنا بنار الندم إذا ما أخفقنا، نصبح خائفين من التجربة، لا نعمل، ولا ننتهز الفرص؛ لأننا نخشى الإخفاق، وبالتالي فإننا لن نفلت من سياط الضمير، في الحقيقة ضمائرنا هي نحن، هي أفكارنا، وهي معتقداتنا، كلما شعرت بسيطرة الضمير الذي يجعلك تخلط بينما ما هو مسموح لك وما هو ممنوع عليك؛ فاعلم أنك لست أسير ضميرك إنما أسير أفكارك ومعتقداتك الخاطئة -أو المبالغ فيها-.
لن تنجو من أن تقع في خطأ أو مشكلة، لن يكون الطريق سالكًا دائمًا ومزهرًا ولا يتخلله عقبات، لست معصومًا ولا كاملًا حتى تستبعد الخطأ والزلة عن نفسك، كلّنا خطّاؤون، وهذه جبلّتنا، علينا نتعلّم من أخطائنا، ونصبح أكثر تصالحًا مع أنفسنا إذا أخطأت، فباب الإصلاح مفتوح دائمًا، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، ونفسك أولى الأشياء بالرفق، وكما قلت سابقًا لتعرف الشيء عليك أن تعرف ضده، وهذه قاعدة الحياة، فاخرج من دائرتك الضيقة إلى العالم الفسيح، هنالك الكثير من الفرص، الكثير من الأشياء التي عليك اكتشافها، هنالك الكثير من الدروس والعبر لن تكتشفها إلّا بالتجربة، وهنالك الكثير من المهارات والمعارف التي لن تكتسبها إلّا بالإخفاق، فالرحلة إلى النجاح والكمال صعبةٌ وشاقة، ولكن تتضمنها الكثير من التفاصيل الجميلة والممتعة، فلا تجعل التركيز على النتيجة يفقدك متعة الرحلة، انطلق وجرّب واستمتع بالرحلة.
–
وأخيرًا، كونوا بخير يا أصدقاء.
في فترة قريبة من حياتي كنت هذا الشخص اللي يخاف، ويسعى للكمال، ومريت بفترة الضغط هذي وأنا أتخبط وأحاول أعرف كيف ممكن أنقذ نفسي، لين اهتديت لفكرة “الرحلة” اننا نمر برحلة، ما يهم النتائج المبهرة والعظيمة بس المهم كيف أعيشها بكل جوانبها، وأستمتع بلحظاتها لأن لما أكبر في السن كل اللي بيبقى لي ذكريات هذي الرحلة الحلوة.
شكرًا على تعليقك وإضافة تجربتك، فعلًا تركيزنا على الكمال يزيد الضغط ويفسد علينا متعة الحياة.
صراحة حكمة جميلة( فلاتجعل التركيز يفقدك متعة الرحلة ). فعل وانا ادرس في مرحلة الماجستير وفي بداية المشوار كالعادة ا دائما تكون البدايات صعبة ، ومع انشغالنا في الدراسه والهم الذي نعيشه رأتنا احدى الدكتورات في احد محاضراتها بهذه الحالة الكئيبة ،، قالت بنصحكم نصيحة لاتعلطون غلطتي علما ان عمرها ناهز الستين عاما قلنا وشهي ( قالت استمتعوا بوقتكم وادرسوا واستانسوا ولا تضيقوا على نفسكم من اجل الحصول على الكمال ،،
ومن يومها ياشيخه فليتها وعشت باقي المراحل بسلااام وسعادة الصدر الحمدلله انها نبهتنا من البدايات 😂😂والحياة حلوة. وبيتعب اللي ياخذها بجد وضمير وينسى حق نفسه واهله واولاده ،،
فعلًا يا آمنة، حلوة اللفتة من الدكتورة، وفعلًا لما نوصل لنهاية الرحلة نتحسف على اللحظات اللي فوتنا فيها المتعة وكنا نركز على النهاية والنتيجة!