كيف تكون الحياة عبارة عن جهاد .. جهادٌ مستمرّ ، وليس أيّ جهاد ، الجهاد الأعظم الذي تجدُ ثماره في حياتك ، عندما تلتفتُ يمنةً ويسره تجدُ ثمرة هذا الجهاد ، تجد عظمة من تجاهد لأجله ، تجد حلاوة ولذةً كلّما قرّبك هذا الجهاد من الله ، فتطيبُ لك الحياة ، وتحلو مرارتها ، نجاهد كي نتعلّم عن الله ، نجاهد كي نستمر على طاعة ، نجاهد كي نترك معصية ، نجاهد كي نعظّم الله حق التعظيم ، نجاهد كي نبقى معظّمين لله …
عندمَا يتعلّق هذا المضغة – القلب – بالله العظيم ، عندهَا ستصفو الحياة .. ستطيب لنا .. سنستعذبُ مرارتها !
عندما نعرف الله ( العظيم ) وهو الموصوف بكلّ صفة كمال ، وله من كلّ صفة كمال أكملها ، فيكون اسم الله ( العظيم ) بين عينيّ ، فمعنى اسم الله ( العظيم ) هو نقطة البداية في طريقنا إلى تعظيم الله . *
كلّما خضنا في الحياة وانشغلنا بتفاصيلها الزائلة تقسو قلوبنا ، نشعرُ بأننا في تيه ، نحاول أن نبحث عمّا يُشعرنا بأننا في أمان ، فسبحانه أمرنا بما فيه نجاتنا ، أمرنا ( بالصّلاة ) ، نلجأ إليه خمس مرّات في اليوم ، نُقبل إليه كي يغفر لنا ويعفو عنّا ، نصلّي ونرجو من الله أن يقبل صلاتنا ، وليس أن نصلي كي نؤدي ماهو واجبٌ علينا فقط !
( فالطاعة لها آثار ، لكن أيّ طاعة التي قُبلت ، لا نستطيعُ أن نحكم بأن طاعتنا قُبلت ، لذلك نظلّ دائمًا في رجاء وخوف ، لا نستطيعُ أن نجزم لأنفسنا إلا برحمة الله *)
( فالعبد المعظّم لله لايخطر على باله أن يقول : لمَ شرعَ الله هذه الشريعة ؟
لا . . . المعظّم يقول ماشرع الله شيء ، ما شرع الله شريعة إلا وهي شاهدة على كمال صفاته .
كيف يظهر لي حسنُ هذا الشرع ؟
تقول عليّ أن أبحث لكي ازداد يقينًا وإيمانًا لمحاسن هذا الدين الذي يشهد على حكمة ربّ العالمين ، فإذا نظرت نظر المعظّم وفكّرت تجد أن الانتقاد لشرع الله جريمةٌ من الجرائم ، فكيفَ ينتقد هذا العبد النّاقص من كل وجه فعل الربّ الكامل من كل وجه !
فالمعظّم لا يجرؤ على ذلك أبدًا ، بل تجده يجرّم من يتجرأ على شريعة الله ، وتجده ساعيًا باذلًا يريدُ أن يتعرف أكثر على محاسن هذا الدين ، من أجل أن يصلح تفكيره ويكون معظّم لربّ العالمين .
هذا المعظّم تجده شاغلًا تفكيره في أن يتأمل عظمة الدين وليس في أن ينتقد مالم يأتِ على هواه أو وقع في قلبه بغضه لمصلحة من المصالح ، ليس هذا حاله .
حاله شاغلًا فكره بما يعرفه عن حكمة الله ، مثلًا تجده يفكر يقول : سبحان الله كيف أن الله يجعل ماء زمزم منذ أن كان الحدث مع هاجر وإبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا ، فهو يفكّر في القُدره ثم الشرع .
إن كنتَ معظّم لله تعلم حكمته في قضائه وقدره وشرعه ، وتشغل تفكيرك في أفعاله .
نتأمّل في حكمة الله ، ونشغل أنفسنا بالتفكّر في محاسن الدين صادقين غير كاذبين ، أقوياء غير ضعفاء ، نجدُ هنا وهنا مايدلّنا على ذلك .
كثيرٌ منّا لا يعرف الله ، ويظنّ أنه يبتليه بهذه البلايا لمجرّد أن يعذّبه ( تعالى الله عن ذلك ) ( مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) .
الواجب علينا أن لا ننازع اختيار الله عزّ وجلّ ، فنصل إلى الرضا ، وهذا المقصود به الرضا في أحكامه الكونية ( الرضا بالفقر والأمراض والذريّة ، بما قسم الله لنا من أبناء وأزواج ) هناك أمور يحرّم علينا الرضا بها كالكفر والمعصية فالله لا يرضاها لعباده ، ولكن المقصود أقدارنا التي قدرها الله علينا .
المؤمن من تعظيمه لربّه يرى الخير في كلّ ما يأتِ به الله ، ولو أتى في ثوب البلاء والشدة والضيق ، غير المؤمن يرى لنفسه الحق على الله ولا يرضا بقضاء الله .
المعظّم لله وليّه الله ، فإنه يعظم الله لايرى له حقّ على الله ، يسأل ربّه أن يرفع عنه البلاء ، إذا نزل البلاء استغفر لذنبه ويعلم أنه يستحق وأن ربه لم يظلمه وأن الله يربيه حتى لا يظلم نفسه .
نحنُ نرتحل إلى الله ، قد نحيد الطريق ، فيأتينا ذلك التنبيه الذي يعيدنا للطريق .*)
هذه الاقتباسات التي بين الأقواس المتبوعة بعلامة * بعضٌ مما استطعتُ تدوينه في دورة بعنوان ( بناء قيمة التعظيم في نفوس أبنائنا ) للأستاذة الفاضلة بارك الله فيها ونفع بعلمها أ. أناهيد السميري ، كلّما قرأتها في دفتري شعرتُ بجهلي ، كيف نجهل هذا العلم العظيم عن الله ، كيفَ نصلي ، كيف نصوم ، كيف تتحول عباداتنا إلى عادات ، كيف ضعفَ فينا الدين حتى دخلت علينا البدع ، وتبعنا هوانا حتى ضللنا الطريق ، نتعلّم في أمور الدنيا ، ونجهل أمور الدين ، كيف لا نتعلّم عن الله ، كيف نقرأ القرآن دون أن نتعلّمه ، دون أن نقف عند كل صفة لله ونتأمل كمال الله في كل صفة وصف بها نفسه .
عندمَا حضرتُ هذه الدورة شعرتُ بأن شيئًا في القلبِ قد استيقظ ، شعرتُ بأنّ الفطرة التي فطرني الله عليها تحثّني على التعمّق في هذا العلم ، تدفعني نحو البحث عن الله ، عندها شعرتُ بأني خُلقت لغايةٍ عظمى ، خلقتُ لأمرٍ عظيم ، خلقتُ ( لأعبد الله ) كما أمرني ، فالله الذي خلق لنا كل شيء ، الأرض والدواب والأنعام كلّها أسباب لتقرّبنا إلى الله ، نتفكّر في مخلوقات الله لنزداد تعظيمًا له ، أنزل القرآن ، وأرسل المرسلين ليُبلّغوا هذا الدين ، يالله .. ما أعظمهُ من أمر ، أن نوحّد الله ولا نُشرك به شيئًا .
نتساءل كيف نتعلّم عن الله ، نظنّ بأنّه أمرٌ صعب ، لكن لنصدق النّية مع الله ، ونجاهد ..
قالت الأستاذة حفظها الله نصيحةً في أحد الدروس :
( كلّ يوم جمعة اقرأي من صحيح البُخاري ، كتاب الأدب ، كتاب الاعتصام …، مو شرط بالترتيب بس الباب اللي أفتحه أنهيه .
ابدأي بالقراءة عشان يصير عندك اسئلة في مكانها ، مافيه شيء تسأليه إلا ويرزقك الله إياه ، المهم هو قلوبكم واشتغالها بالعلم )
أسأل الله العليّ العظيم أن يرزقنا العلم النّافع الذي يوصلنا به إلى كمال الإيمان ، وأن يزيدنا تعظيمًا له ، وأن يغفر لنا جهلنا وإسرافنا في أمرنا ، وأن يتوب علينا إنه وليّ ذلك والقادر عليه .