هل تتحكّم برامج التواصل الاجتماعي في حياتك؟

المقالة الخامسة في تحدي التدوين: تجربة مررت بها.

Processed with VSCO with hb2 preset

هنالك لحظات في عمرنا تمرّ بنا، نشعرُ فيها بشتاتِ أمرنا، وتعرقل سيرنَا، وأننا نقف في نفس المكان مطولًا دون تقدّم يُذكر، ذهنٌ شارد، فكرٌ غير مستقر، حديثٌ لا يُنتجُ ثمرةً تسد رمق العقل!
فتّشتُ عن السبب، لابدّ وأن يكون هنالك سبب يسرقُ منّي وقتي، ويسرقُ تركيزي، أيُعقل أن يكون هنالك سارقٌ خفيّ يسرقُ منّي دقائق عمري، فيذروها الضياع!
فإذ بي مُمسكةً بذلك السّارق بين يديّ، أقلبه بكل أُلفةٍ وحنان، دون أن أحنق عليه، أو أن يُضرمَ الغضب نيرانه في صدري كما يفعل عندمَا يتلصّص شخصٌ مّا لينتهك حقًا من حقوقي!
توقفت لوهلَة، أجمَع أحداق عيني التي كادت تفرّ من مكانها دهشَة!
ثمّ استجمعَ عقلي قواهُ بعدَ هنيهة من الوقت استعارتها الدهشة لتُجمّد ملامحي!
فقرّرت خوضَ تجربةٍ ماكنتُ أظن نفسي قادرةً عليها، أن أرمي بذلك السارق بعيدًا عنّي، أعتزله.. أهجره.. أيًا كانت المفردات، المهم أن أتخلص من تأثيره على نفسي، أن أختبر حزمي وإصراري، أن أستعيد قوّتي في ألّا أترك المجال لأي شيء أن يسيطر عليّ، مهما كانت أهميته، ألّا يؤثر على تقدمي، على إنجاز أهدافي ومهامي، ووجدتُ نفسي حازمةً صارمةً عازمةً على ذلك.
لم تعرفوا من هو السّارق بعد!؟
إنه هاتفي المحمول، أو بالأحرى ما يحتويه من برامج تواصل اجتماعي، بعضها للتسلية والبعض الآخر لتبادل المحادثات.

كنتُ أمام مجموعةٍ من الخيارات:
– وضع الهاتف في مكان بعيد لفترة محددة.
– حذف برامج التواصل واستخدام الهاتف للضرورة فقط.
– عدم التوثيق أو التصوير للحظات اليومية، وعيش اللحظة فقط.

كلّما جربتُ أحدها، ظهرت لي سلبيات وإيجابيات تلك التجربة.
من وجهة نظري:
كانت التجربَة ناجحة من جانب، وغير ناجحة من جانب آخر.
نتائجها الناجحة:
استطعت إنجاز مهامي اليومية في وقتها، بل تجاوزت ذلك إلى أن أحصل على وقت فراغ إضافي للاسترخاء ومكافأة النفس.
لم أكن أعلم أن استخدام الهاتف لفترة طويلة يسبب نوعًا من التوتر والضيق والملل، وذلك الشعور الذي فارقني تمامًا بعد أن تركتُ استخدامه، حيث أصبح ذهني فارغ، وفكري هادئ.
أصبح نومي مريحًا وهادئ ومُنتظم.
أصبحت لدي القدرة على التحكم في الوقت، بعدَ أن كان المتحكم الأول فيّ!

نتائجها الغير ناجحة:
شعرتُ بأنّي مُنقطعة تمامًا عن العالم الخارجي!
أيضًا أشعر بأن هنالك حلقة من الزمن مفقودة، وأنني كنتُ غائبة.
بعض الأصدقاء يأخذها على محمل (التطنيش) فيوبخني لاحقًا على تعمّدي تجاهل رسائلهم، ومحادثاتهم!
هنالك فُرص ربما فاتتني، مثل اعلانات لدورات مهمّة، أو لقاءات، أو أحداث.

ولتُصبح تجربتي أكثر دقّة، قمت بطرح مجموعة من الأسئلة في مجموعات مُختلفة:


فتقول رندَا- طالبة مبتعثه-:

بأنها جربت حذف برنامج (سناب تشات، تويتر، فيسبوك) ولم تشعر بفرق كبير، بل أن لديها بدائل مثل (اليوتيوب، الواتس اب).
لكنها شعرت بالراحة:
– أنها تعتقد أن استخدامها لتلك البرامج بينما لديها واجبات عليها انجازها يُشعرها بالتوتر والضيق طوال فترة استخدام الجهاز، وتظل في دوامة الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، لأنها تهدر وقتها في غير مُفيد.
لذلك عندما تركت تلك البرامج، فإن الشعور بالضيق اختفى، وأصبحت أكثر راحة.
– وجود التنبيهات بين فترة وفترة يسبب القلق، وذلك يدعوها لأن تمسك الجهاز كل الوقت، وعندما تقوم بفتحه فإنها لا تقاوم رغبتها في تصفح بقية البرامج إلى أن يدركها الوقت.
– وبعد أن تركته أصبح لديها وقت أطول.
– تمرّ بها لحظات جميلة في يومها تتمنّى لو تستطيع توثيقها، لكنها تتذكر أن عليها أن تعيش اللحظة وتستمتع بها دون أن تقاطعها بالتصوير والتوثيق، ولكن الظريف في الأمر أنها في بعض الأحيان لتُسكت رغبتها في التوثيق توثق اللحظة تتناول أقرب هاتف لشخص قريب منها وتوثقها، لأنها ترى أن المهم الاحتفاظ باللحظة للذكرى وليس المهم من سيرى هذه اللحظة.
– تختم قولها بأنها ستكرر التجربة كثيرًا، لأنها تركت أثرًا إيجابيًا على حياتها، وأن الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يكون جيدًا وفاتها أثناء انقطاعها عن برامج التواصل هم الأشخاص المفيدون حيث فاتتها معلومات قاموا بطرحها، ولكنها تستطيع التعويض عبر برامج أخرى مثل اليوتيوب أو تطبيق انجاز.

أمّا انستازيا –مدوّنة- فتقول عن تجربتها:
أن نظرتها لشبكات التواصل الاجتماعي هي نظرة محبّبة، وتختلف مع كثير من الناس الذي يعلّقون أسباب مشاكلهم على هذه الشبكات، وأن فطرة ابن آدم سليمة، ولكن ابن آدم نفسه هو السبب في النتائج الجيّدة والسيئة.
وتعلّق: بأن هنالك فرق بين إنسان نشيط، يقوم بجميع واجباته، ويعيش حياته، ويخصص للشبكات الاجتماعية وقت محدّد، وبين آخر يعيش حياته كلّها لاهيًا في العالم الافتراضي، ويهمل حياته الواقعية ومسؤولياته فيها!
وفرق بين شخص يغلق هاتفه عندما يقود سيارته، ويُنهي مشاويره بكل يسر وسهولة، وبين آخر يقضي –مشواره- وهو يعبث بهاتفه، ويستغرق وقتًا أطول لإنجاز مهامه، ناهيك عن الحوادث التي كاد يقع فيها بسبب انشغاله بهاتفه!
فطريقة تعاملك مع الشيء تحدد نتائجه، ولكل شيء جانب سلبي وإيجابي حسب استخدامك.
فبالنسبة لي كنت مدمنة لفترة من الوقت، ولكني مع ضغوط الدراسة شعرتُ بضياع المستقبل على توافه الأمور، فقمت بحذف جميع التطبيقات من الجوال باستثناء (الواتس اب)، وشعرت بالفرق.
قمت بنقل التطبيقات التي كانت تسرق جزءًا كبيرًا من وقتي إلى جهاز (الآيباد)، وأصبح هاتفي لضروريات فقط.
أيضًا قمت بتقنين وقتي في استخدام (الآيباد)، حذفت التطبيقات الغير مفيده، وحملت تطبيق (مومنت –moment) وبدأت أراقب استخدامي، وبحمد الله قطعت مشوار كبير، وأصبحت أموري سليمة.
أما التوثيق فكانت تجربتي غير ناجحة، رغم أني تمنيت كثيرًا أن أعيش اللحظة واستغني عن توثيقها، إلا أنني لم أتمكن.
وتختم قولها: كل شيء باعتدال يمشي تمام، لا إفراط ولا تفريط وأعطِ كل ذي حق حقه، معرفتك لحدودك وخصوصيتك وعدم السماح لأي شخص بتعديها، وألا تجعل الأجهزة تسرق منك عمرك ولحظاتك الجميلة.

وتدلي برأيها سميّة –مدونة-:
بأنها جربت ترك الهاتف في مكان بعيد عنها عند انشغالها بأمر ما، فتنجز أكثر مما لو كان قريبًا منها، حيثُ أنه عندما يكون في متناول اليد فإن التقاطه سيكون بلا وعي.
وأنها في فترة اختباراتها قامت بحذف جميع البرامج، وشعرت بأنها كانت أكثر تركيزًا وإنجازًا بعيدًا عن التوتر والقلق، بل كانت تنهي مهامها بكل أريحية.
وأيضًا عندما كانت في سفر لمدة اسبوعين، كانت من أجمل الفترات التي سافرت فيها، لأنها استمتعت بكل لحظة، حيثُ عاشتها دون أن تشاركها مع أحد على شبكة الانترنت، حيث ترى بأن توثيق اللحظات اليومية والاحتفاظ بها دون مشاركتها أو نشرها للآخرين له متعة خاصة وجميلة، تُنعشك في الأوقات التي تحتاجين فيها أن تعودي بالذاكرة لتلك اللحظات، فتؤيد فكرة التوثيق لكن دون نشرها للآخرين.
ولكن ذلك الانقطاع أثر على حياتها الاجتماعية، حيث أنها في فترة الانقطاع حدثت أمور لم تكن تعلم عنها، مما استدعى عتاب الأصدقاء والأهل، خاصة وأن الجميع أصبح يستخدم هذه البرامج عوضًا عن التواصل الشفهي بالهاتف، أو حتى بالرسائل الخاصة.
وترى بأن التجربة كانت ممتعة بالرغم من بعض عواقبها الغير جيدة، وأنه من الأفضل الاعتدال في استخدامها، وتدريب النفس على ذلك، فهي ربما تكون ضرورة في حياتنا، ولكن يجب أن نتحكم فيها وألّا ندعها تتحكم فينا.

أما أمجاد –مدوّنة-:
جرّبت حذف أغلب البرامج باستثناء (الواتس اب) لأنه ضروري جدًا بالنسبة لها، خصوصًا في مجموعات العائلة والصديقات.
وجرّبت أيضًا عدم التصوير وتوثيق اللحظات اليومية، وأن تعيشها فقط، واستمرت لمدة شهرين أو أكثر، وكانت تجربة ممتعة بالنسبة لها، بل من أمتع ما جربته في حياتها الالكترونية على حد تعبيرها، فقد عاشت حياتها الاجتماعية بكل أريحية، وأصبح الوقت طويلًا، دون أن تنشغل بالتقاط الصور.
لقد أحبّت التجربة واستمتعت فيها، ومن الإيجابيات شعورك بأن هنالك متسع من الوقت لإنجاز المهام والأعمال، والاستمتاع بكل دقيقة فيها، وأن اليوم ينتهي وأنتِ مُنجزة لكل أعمالك.
سلبياتها: عدم تفهم البعض، خصوصًا عندمَا لا يجد ردًا منك خلال ٢٤ ساعة من محادثته لك، وأن هناك بعض التطبيقات تحتاج منك القاء نظرة عليها بين فترة وأخرى.
وتعتقد بأن لهذه البرامج أهمية فيما يخص التطوير ومجالات الدراسة.

وهنالك الكثير من الردود وصلتني على هذا النحو، لا يتسع المجال لذكرها جميعها.
لا شكّ بأن لكل زمان أدواته التي يتفاعل بها المجتمع مع بعضه البعض، وعصرنا هذا أصبح مكتظًا بهذه البرامج، لن أجزم بسلبيتها لأن لها آثارًا إيجابية جمّة، يجب أن نستشعر أنها نعمة قبل أن تكون نقمة، لقد أوصلتنا إلى عوالم بعيدة، وأوصلت إلينا علومًا وبحارًا من المعرفة ما كنّا لنصل إليها إلا بشق الأنفس، لقد يسّرت طلب العلم، وسهولة الاستفتاء، هي سلاح هذا العصر، حيث لم تعد الحربة والرمح والسيف شيئًا يُذكر، أصبح الفكر والعقل هو الهدف، والموهبة هي السلاح، والمؤثر الأول، لا ينبغي ترك هذا السلاح ليأخذه غيرنا وربما لن يكون جديرًا به، فيعيث في الأرض فسادًا!
علينا أن نسخر هذه التقنية لخدمة واقعنا، لا أن نسخر واقعنا لخدمة التقنية، خير الأمور ما كان على ميزان من العدل والدقة، وكان على قدرٍ من الصحة، لا ينبغي أن نفصل أجسادنا عن أرواحنا، وأبصارنا عن بصائرنا، أن نكون أُولِى بصيرة ولب وفهم.

3 تعليقات على “هل تتحكّم برامج التواصل الاجتماعي في حياتك؟”

  1. يقول هذا الموضوع بالذات صراع نفسي دائم ..لأشخاص كثيرين وأنا منهم .. أوصلني هذا الصراع إلى نتيجة واحده فقط وهي " لا إفراط ولا تفريط" .. الموضوع أكثر من رائع ❤️:

    الدمام

  2. من احلى واروق اوقاتي لما احذف برامج التواصل

    بعد ماسمعت #شوبقو وهي مبادرة من شاب سعودي لتقليل استخدام برامج التواصل

    احذفها بس بعد اسبوعين ارجع

    اللي لاحظته باوقات الانقطاع ،، وجود وقت فراغ ،، راحة البال اكثر
    استغل الوقت بالسيارة بالاستغفار والتسبيح والتهليل

    السلبيات : اذا جلست مع عيلتي كلهم جالسين على جوالاتهم
    اذا جلست بجمعة اقاربي الكل جالس على جواله
    انتظار مطعم الكل على جواله
    وقتها احس بطفش
    واذا تكلمو بالاخبار الجديدة والاحداث وترند التويتر
    ماعرف عن ايش يتكلمون احس اني بعصر ثاني

    الآن ودي ارجع احذفها حذف نهائي
    بس فيه ناس اتابعهم معلوماتهم حلوه وماتتعوض
    وبعضهم يعطوني الهام جميل
    وبعضهم يزودوني بأفكار جميلة

    في ناس نفسي يرسلون لي مسج وقت مواضيعهم احمل السناب واشوف الموضوع وارجع احذفه لكن مو على كيفي

    عيوبها انها سارقة للوقت ومشتتة للجهد ،، والله يعييني عليها والله المستعان وعليه التكلان

التعليقات مغلقة.