العلاقات السامة تستهلك وتستنفد طاقة الشخص فيفقد شغفه وطموحه، وقد يؤدي به إلى التقصير والفشل في الجوانب الأخرى من حياته، حيث أنها تفقده توازنه، فالعلاقة السامة تتطلّب من الشخص فوق قدراته وإمكانياته، تمتصه وتمتص طاقته، قد يدخل أثناءها في مرحلة اكتئاب وهو لا يعلم، قد يعتقد بأن هذه العلاقة تملأ حياته حيث لا يصبح هنالك مكان لأشياء أخرى، ولكنها على العكس تُفقده حياته، والفرق بين العلاقة الصحية والعلاقة السامة أن الأولى تمنح الشخص الطاقة للإبداع والعطاء في الجوانب الأخرى، فتصبح علاقته بأهله وأصدقائه والمحيطين به علاقة جيدة، تحسّن من مستوى تواصله مع الآخرين، تحسّن من إقباله على الحياة، تبرز في شخصيته جوانب رائعة ما كان يعلم بوجودها، تساعده على تجاوز المواقف الصعبة، تدعمه في لحظات ضعفه، تقوّيه، تمنحه رؤية جيدة متفائلة عن الحياة. على العكس تمامًا ما تفعله العلاقة السامة، تجعل الشخص يعيش في حالة من القلق والخوف وعدم الشعور بالأمان، تفاقم من شعور الألم في لحظاته الصعبة، تجعله مقيدًا وعاجزًا عن التقدم في أي أمر من أمور الحياة، تؤدي إلى سوء حالته الصحية والجسدية، تفقده ثقته بنفسه وبالمحيطين به، يشعر بعدم استحقاقيته للأفضل، يبدأ سلوكًا مقاومًا وقد يكون عدائيًا في أحيان أخرى لمقاومة تلك الأفكار السيئة التي تهاجم عقله وتفكيره، قد لا يدرك الشخص أنه في علاقة سامّة لأنه تحت تأثيرها، مكبّلًا بالأفكار التي يزرعها الآخر في عقله، لذلك هو يحاول المقاومة، ولكن شعورًا بالعجز يقيّد رغبته في المقاومة. ودائمًا ما أصف تلك العلاقة بـ “المأزق”، تخيّل أنك في مأزق حقًا ولا تعلم كيف تتصرف وكيف تخرج منه، إنّها حالة حرجة وقد تتطلب غالبًا تدخلًا خارجيًا، ومساعدة خارجية.
فالعلاقة السامة هي أي علاقة بين شخصين لا يحصل أي منها على الدعم من الآخر، مع وجود صراع وخلاف دائم بين الطرفين، ومحاولة أحدهما على السيطرة وتحطيم الآخر، وهي علاقة هشّة تحوي تنافسية عالية بين الأطراف وتقليل من احترام الآخر سواء أمام نفسه أو أمام الآخرين.
فالعلاقة السّامة قد تكون مؤذية عقليًا، عاطفيًا، وجسديًا، فليس من الضروري أن تكون تلك العلاقة عاطفية بين شريكين، قد تكون علاقة صداقة، أو علاقة أسرية.
مسببات العلاقة السّامة:
قد تكون بسبب التعرض للتنمر في الطفولة مما يصنع شخصًا لديه شخصية مضطربة، خائفة من تكرار ما حدث في الطفولة، فيمارس سلوكًا هجوميًّا في محاولة للدفاع عن نفسه مما قد يحدث نتيجة الأثر الذي خلّفته تجارب الطفولة، أو قد يكون بسبب عدم حصوله على الدعم الكافي أثناء نشأته بسبب تشتت الأسرة أو فقدان أحد الوالدين وعدم حصوله على العاطفة والحنان الكافي والذي يشعره بالأمان العاطفي، أو بسبب خوضه علاقة سامة مسبقًا، أو يكون بسبب تشخيصه بأحد الأمراض النفسية كاضطراب ثنائي القطب، أو اضطراب الشهية، أو أي نوع من الاضطرابات العقلية والنفسية والصدمات التي تعرض لها في حياته والتي لم تعالج بشكل صحيح وكامل أو لم يتم تشخصيها بشكل صحيح، أو قد تكون بسبب عدم التكافؤ في العلاقة، على سبيل المثال: تكون الشخصيتان ترغبان في السيطرة بشكل كامل مما يؤدي إلى خلق نزاعات وخلافات دائمة بين الطرفين، أو يكون بسبب وجود تصورات وتوقعات مسبقة عن الاخر، وعدم تقبّل اختلافه، مما يؤدي إلى مطالبات ومحاولات في جعل الآخر يتطابق مع الصورة المتوقّعة مسبقًا.
أهم العلامات التي تدل على وجودك في علاقة سامّة:
بالنسبة لي أحد أهم العلامات التي تدلّ على أنك في علاقة سامة وأبرزها هو الشعور الدائم بعدم السعادة وفقدان المتعة على العكس من ذلك تشعر بأنك دائم الغضب والحزن والقلق، وبأنك تحت سيطرة العديد من الأفكار، ولا يمكنك الاسترخاء أو الاستمتاع باللحظة الحالية، بالإضافة إلى اضطرابات النوم إمّا أرق شديد وذلك بسبب التفكير الزائد وعدم قدرة العقل على الاسترخاء والراحة وإما نوم لساعات طويلة وذلك في محاولة الهرب من الأفكار والأحداث اليومية، اضطرابات الشهية إما فقدانها أو زيادتها، الشعور الدّائم بالتعب وكأنك في معركة طاحنة مع نفسك والآخرين، الشعور بالوهن وتعدد الأمراض مجهولة السبب أو التشخيص “كقرحة المعدة، القولون، المرارة، اضطرابات الجهاز الهضمي…الخ” ، الشعور بعدم القدرة على التعبير أو الحديث بشكل واضح وبصوتك وقناعاتك مع نفسك أو مع الآخرين وكأن جزءًا من ذاتك مفقود.
مالذي يجب فعله في حال كنت في علاقة سامة:
ينبغي اتخاذ خطوة جادة لتحسين الأمر، أول تلك الخطوات هي استشارة طرف خارجي ومحايد، الرغبة الجادة في تحسين الوضع والخروج من ذلك “المأزق”، قد لا يعني ذلك الخروج من العلاقة، فبعض العلاقات السامة لا يستطيع المرء التخلص منها والخروج منها ومن ذلك أن تكون تلك العلاقة علاقة أسرية، ولكن ينبغي للشخص الخروج من “تأثيرها عليه”، وذلك بتغيير طريقة تفكيره، تقبله وتعاطيه في العلاقة، في حال كانت تلك العلاقة مع أحد الوالدين على المرء تذكر أفضليتهما أولًا، حقوقهما وواجباتها، ولكن في الوقت ذاته الوعي الكامل بحقيقة تلك العلاقة حتى لا تتمكن من التأثير فيه، أن يحاول بالاستعانة بخبير أو أخصائي أو مرشد أسري بتفسير جميع الأسباب المؤدية إلى تلك التصرفات المؤذية، أن يفهم دوافعهما الحقيقية، ففي أحيان أخرى قد تكون بدافع “الحب والخوف” الغير مفهوم من قبل الوالدين وذلك بسبب ظروف تربيتهما وتنشئتهما، قد يكون بسبب جميع الأسباب المذكورة سابقًا وهي وجود الوالدين في علاقة سامة مع بعضهما أو مع أبويهما في طفولتهما مما أدّى بهما إلى عكس جميع تلك التصرفات على الأبناء.
في حال كانت العلاقة السامة عاطفية، فبعد بذل جميع الأسباب والمحاولات لتسوية وتحسين العلاقة مع عدم الجدوى، فالأفضل الخروج من تلك العلاقة المؤذية، التخلص من رواسبها، ولكن لا تكون تلك الخطوة إلّا بعد الصبر، واستنفاد جميع محاولات الإصلاح، وقبل ذلك الرغبة الصادقة والنية الصادقة في الإصلاح وتذكر “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم” ومن ذلك البدء بالنفس أولًا ثم بالآخر، ففي أحيان كثيرة عندمَا يبدأ المرء بنفسه لتغييرها وتحسينها بما يرضيه أولًا قبل أن يرضي الطرف الثاني فإن العلاقة تبدأ بالتحسن والازدهار مجدّدًا. ولكن في حال كانت السميّة سارية بحيث تصل بالمرء إلى سوء حاله فإن علاجها البتر والقطع.
أما في حال كانت العلاقة صداقة، فلست من مؤيدي قطع العلاقة بشكل كامل، بل إبقاء سبل الوصل والودّ مفتوحة، ولكن مع التقليل من الاحتكاك بشكل تدريجي وذلك لتقليل تأثير العلاقة المؤذي على النفس، مع الوعي الكامل بحقيقة العلاقة، وفهم الدوافع والأسباب التي تجعل الآخر يمارس سلوكًا مؤذيًا تجاه صديقه، المصارحة والحوار والنقاش في حال كانت هنالك استجابة، وتجنب الصدام في حال كانت الشخصية حديّة ولا يمكن التعاطي معها، أمّا إن تفاقم الأذى وأصبح غير محتمل فالأفضل إنهاء العلاقة لأنها خرجت من تصنيف الصداقة.
اكتئاب مابعد انتهاء العلاقة السّامة:
تذكّر لا أحد يمشي في النار دون أن يحترق، وتلك أحد الآثار التي ستحاول علاجها بعد خروجك من تلك العلاقة المؤذية، إذا ما كنت معطاءًا بشكل كبير، وأحببت بصدق، وحاولت بجهدك كلّه لإنجاح هذه العلاقة، ولكن أثناء تلك الرحلة وجدت نفسك تتآكل، وتحترق، وتنطفئ، أو تذوب وتتلاشى وتترمّد، فما أن تقرّر الخروج من تلك العلاقة حتّى تجد نفسك تستدعي قوى كامنة بداخلك، تستجلب طاقتك كلها، قوّتك النّائمة لمحاولة الخروج، قد يكون الجهد أضعاف الجهد الذي بذلته أثناء العلاقة، قد تكون معتادًا على الأذى، ولكنك لستَ معتادًا على هذه المرحلة الجديدة “الخالية من الآخر”، لذلك أنت بحاجة إلى التفكير مليًا فيما بعد العلاقة، لا تخرج فجأة، لا تخرج وأنت غير مستعد، ابدأ في دراسة القرار، ابدأ في النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، اصنع سيناريو الحياة بدون الآخر، تأقلم مع كل الاحتمالات، ابدأ بالابتعاد بشكل تدريجي، إذا كنت دائم الاحتكاك بشكل يومي فابدأ بتقليل الاحتكاك أو التواصل، ابدأ بممارسة هواية جديدة، عملًا جديدًا، القراءة أحد الطرق والعلاج الفعّال في مثل هذه الأوقات، استمع لحاجتك ولبّيها، إذا كانت حاجتك للاختلاء ملحّة فلا تكبتها، أنت بحاجة للعودة إلى ذاتك، أما إذا كانت حاجتك للبقاء مع الآخرين، الخروج للمجتمع والاندماج فيه فلا تكبت تلك الحاجة.
تحدث عن مشاعرك مع المقرّبين، لا بأس في البكاء، متى ما شعرت بالحاجة إلى ذلك فدع لنفسك المجال لإخراج ذلك الشعور، ابدأ روتينًا جديدًا مختلفًا عن الذي كنت تمارسه أثناء العلاقة.
سيكون من الغريب أن أخبرك بأن أثمن وأجمل اللحظات هي لحظات الاستشفاء بعد تلك العلاقة، إنها الرحلة للعودة إلى ذاتك، لبناء ذاتك من جديد، الاستماع إلى صوتك، فعل ماترغب به أنت، تبدأ في تقبل ذاتك الحقيقية والتي لاقت رفضًا من الآخر، تحبّها عوضًا عن الآخر، أنت أخرجت الآخر وقبلت ذاتك رغمًا عنه وعن أولئك الذي لم يحبّوك لما أنتَ عليه ولم يقبلوك، وهنا لا أقصد أن تقبل أخطاءك التي من الممكن إصلاحها، لا أن تقبل حماقاتك، لا أن تقبل تصرفاتك الخاطئة، ولكن أن تقبل شخصيتك التي من المستحيل تغييرها، تقبل جسدك بعيوبه التي لا يمكن تغييرها، تقبل كل الأشياء التي منحك الله إياها ولم تخترها ولم يمنحك الله القدرة على تغييرها، وعند تلك اللحظة سأخبرك بأنك ستبدأ باحترام نفسك لأنك لم تقبل أن تُهان، فالمرء خلقَ عزيزًا، لم يقبل الله عليه المهانة فلِمَ يقبلها هو على نفسه!؟
تذكر بأنك تستحق أن تحيَا عزيزًا كريمًا مُحبًّا ومحبوبًا، أحيانًا قد يكون من الأفضل أن تنهي شيئًا سيئًا حتى تبدأ آخر جيد، فتلك العلاقة قد تكون الطقس الذي يمنع الغيمة من أن تمطر، وما إن ينتهي ذلك الطقس حتى تمطر السماء، وتنبت الأرض، تقبّل حقيقة أن تلك العلاقة مؤذية وسامة، قبولك لتلك الحقيقة سيمكنك من تقبل الخسارة والتعامل معها بطريقة سليمة، لا تنتظر منهم اعتذارًا أو عودة، اقلب الصفحة أو مزقها، لكن لا تُعد فتحها، لا تعد إليها لتقرأها أو لتراجعها، وهنا أذكرك بأهمية تلك الخطوة قبل إنهاء العلاقة أن تكون قد درست وراجعت القرار مرارًا وتكرارًا لأنك حين تمضي فيه فلا سبيل للعودة.
تلك العلاقة قد تكون قد سبّبت لك الإدمان، عالج ذلك الإدمان بأن تعيش شعورًا غامرًا يشبهه، كأن تنجز أمرًا عظيمًا، الإنجاز يمنحك شعورًا يملؤك بالرضا، لذته تفوق كل لذّة، انجز أمورًا لطالما رغبت بانجازها، إكمال دراسة، أو تعلم شيء جديد، النجاح في مهمّة، هنالك صور كثيرة للانجاز، عِش مغامرةً جديدة، اكتشف جماليّات الحياة، ستكتشف بأن العالم أوسع بكثير من تلك المساحة الضيقة التي كنت محتكرًا فيها.
ختامًا شكرًا للصديقة المُلهمّة التي ألهمتني لكتابة هذه التدوينة، ممتنة.
رائعة بحق ..
أشكرك.
( قد تكون معتادًا على الأذى، ولكنك لستَ معتادًا على هذه المرحلة الجديدة “الخالية من الآخر” )
قد تكون اكثر العلاقات تعقيداً وصعوبة، حين يعتاد الشخص لوجود الطرف الآخر بل ويحب وجوده، ولا يدرك أنه يأذيه. ف إدراك أننا بعلاقة سامة صعب جداً حينما تختلط المشاعر.
بشرى، أشكرك على ماكتبتيه
أهلًا رندا، أسعدتني قراءتك.
من فترة قريبة تخلصت من آخر علاقة سامة في حياتي ولله الحمد، كان صديق لذلك التخلص منه كان صعب وأخذ مني وقت طويل.
لم ألقى أحدًا أدرك أنه كان في علاقة سامة إلّا بعد مدة بعد خروجه منها…حتى أولئك الذين يملكون ذلك الوعي..وينصحون الجميع باستمرار! “القط بيحب خناقه” لا أحب هذه الجملة لكن فيها قدر وافي من الصواب.