عُزلة وتأملات #كورونا٢٠٢٠

“الله عوّدك الجميل .. فقِس على ماقد مضى”

أيّام حرجة يقضيها العالم، وعلى ضفاف جائحة كورونا أمكث أنا بعقلي المُزدحم بالأفكار كعادته.. أحيانًا أتمنّى لو يكون العقل مصباحًا نستطيعُ إطفاءه متى شئنا لننعمَ بالهدوء، ولكن هيهَات.. وبالمناسبة الحمدلله على نِعمَة النّوم.. أتخيل لو أنه قدّرَ لنا أن نبقى يقظين طيلة الحياة، فكرة مُرعبة أليسَ كذلك!
يقول رسول حمزاتوف:

“لا تخبئ أفكارك. إذا خبأتها فستنسى فيما بعد أين وضعتها. أليست هذه حال البخيل، ينسى أحيانًا المخبأ الذي وضع فيه نقوده فيخسرها”

وها أنا أنفضُ أفكاري هنا، علّها تجدُ متسعًا آخر غير رأسي تسرحُ فيه وتمرح.

مر حتى الآن ٧٦ يومًا على بقائي في الحجر المنزلي، لم أخرج إلا لمرتين وكانت لأمور طارئة أحدها متعلق بالعمل..
كيف تبدو الأيام في الحجر المنزلي!
أستطيع أن أخبركم بأن فترة الحجر بالنسبة لي مرت بعدة مراحل..

في المرحلة الأولى تخفّف من أعباء الذهاب للعمل، والارتباطات الاجتماعية وزحمة الطرق، واستمتاع بكمية النوم الوفير والتقلب على أرائك المنزل وقضاء وقت أطول مع أفراد العائلة وممارسة العديد من الأنشطة والألعاب…إلخ

بعد ذلك تبدأ فترة القلق مما يحدث، والخوف مما هو قادم، واستيعاب خطورة الوضع خصوصًا مع أعداد الحالات المصابة التي بدأت بالارتفاع بشكل كبير ومفاجئ وغموض زمن نهاية هذه الأزمة، والملل من طول فترة المكوث في المنزل..

ثم فترة التعايش والتأقلم والنظر للأمور بإيجابية والاعتياد على الجلوس في المنزل لدرجة تبدو فكرة الخروج منه فكرة مرهقة لمجرد التفكير بها..

أقضي أيامي هذي بِرفقة “رسول حمزاتوف” وكتابه “داغستان بلدي”، وأشعر بسعادةٍ عارمة بأن تعرفتُ على كاتب مُدهش من خلال كتابه.
لا أستطيع اختزال مشاعري في بضعة أحرف عندما أبدأ علاقة جديدة مع كتاب وأكون مستمتعة بها، بالمناسبة لدي طريقة خاصة في مصالحة الحياة، عندما يُغضبني أو يُزعجني شخصٌ ما أستبدلهُ بكاتب رائع، وعندما يُزعجني موقف أستبدله بكتاب يحمل العديد من المواقف الممتعة.. ولقد صالحني هذا الكتاب مع الحياة من جديد.. كعادة الكتب، دائمًا ما تفعلُ ذلك! وياللغبطة 🙂

أكثر كلمة من الممكن أن يعبّر عنها انطباعي الذي التصق بالكتاب والكاتب على حدٍّ سواء هي كلمة “الأصالة”، لقد تمثلت الأصالة في علاقة الكاتب ببلده داغستان، بأنهارها وجبالها وصخورها ونسورها، بلغته الأم، بشعبه، وبأمّيه أمّه الأصلية التي حملته وأنجبته، وأمه التي أرضعته. من الوقفات الجميلة التي استوقفتني في كتابه هي:

” وهكذا، أنا مدينٌ لامرأتين على هذه الأرض. ومهما امتد بي العمر، ومهما فعلت لهاتين الامرأتين وباسمهن لن أفي ما لهما علي من دين. فدين الأبناء لا نهاية له. هاتان المرأتان إحداهما أمي، تلك التي ولدتني، وأول من هز سريري، وغنّى لي أولى الأغنيات، وتلك الأخرى، التي قدمت لي صدرها، حين كان محكومًا علي بالموت، فبدأ دفء الحياة يدبّ فيّ فتحوّلت من درب الموت الضيق إلى طريق الحياة، هي أيضًا أمّي.”

أيضًا وهو يصفُ أمّين آخرتين فاضتا عليه بالعطاء (داغستان، وروسيا) فيقول:

” أمّان كجناحين، كيدين، كعينين، كأغنيتين. وأيدي هاتين الأمين كانت تمسح على رأسي برفق، وكانت تشدني من أذني عند اللزوم. أمّان شدتا وترين على طنبور، شدت كلّ واحدة منهما وترًا. ورفعتاني عاليًا فوق الأرض، فوق قريتي، فرأيت من فوق أكتافهما أشياء كثيرة في العالم لم أكُن لأراها أبدًا، لو لم ترفعاني فوق الأرض. وكما لا يعرف النسر عند التحليق أي جناحيه أكثر ضرورة وأعز عليه، كذلك أنا لا أعرفُ أيُّ الأمين أعزّ علي.”

بقدرِ امتناني لجمال اللغة الذي أعطى الكتاب والكاتب قيمةً في داخلي بقدر امتناني لعمل المعربين لهذا الجمال: عبدالمعين الملوحي، ويوسف حلاق.

ولا أعظم من أن يعمل أحدهم على أن ينقل تحفةً كهذه من لغةٍ إلى أخرى دون أن تفقد بريقها وجمالها..

لي في هذه العزلة مع الأيام وقفات وتأملات، مساحات شاسعة من الفكر امتلأت بصورٍ كثيرة، يتنقل الانسان في فترات فراغه وعزلته بين كثير من مراحل حياته، يبدأ بالأقرب منها إلى زمنه الحاضر ثم الأبعد فالأبعد، يصل إلى فترات ماضيه وطفولته، فيحنّ إلى بيته الأول، صديقه الأول، جيرانه الأوَل، مدرسته الأولى، درسه الأول في الحياة، فرحهُ الأول وحزنه الأول، يتذكرها وكأنها مشاهد تُعرضُ أمامه.

الانسان كائن غريبٌ بطبعه، غريبٌ في تكوينه، في اختلافه عن غيره، لكل انسان بصمة، ولكلّ انسان فكرة، ولكلّ انسان طبعٌ ورأي خاصٌ به، كوّنته عوامل الحياة، ظروفها، مواقفها، حتى أصبح بالشكل النهائي الظاهر والبادي عليه، ولا يزال في طور التشكيل حتى آخر ساعة من عمره.

أتأمّل أيضًا في العلاقات الانسانية، عن ارتباط الانسان بالأشياء، عن التعلّق والتشبّث والاعتياد، عن المشاعر التي تتخذ شكلًا مبالغًا فيه، كيف يُوقع الانسان نفسه في فخ التعلق بكل ما هو زائل، هو يعلم ويوقن بأنه زائل، ولكنّه يُبالغ في رغبته وإرادته وتعلّقه حتى يصبح مريضًا به، ويُصبح ما يبغيه ويتمناه هو سبب شقائه وألمه وحزنه، وتحضرني مقولة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:” فإن أقوى الناس من قوي على نفسه”. أن يملك الانسان زمام أمره، والتحكم بنفسه، فلا يتعلّق تعلقًا فوق المألوف بشيء زائل، ومنه قصّة الفداء العظيمة، كيف امتحن الله أحب خلقه إليه وخليله إبراهيم في ابنه، وفي ذلك عظة وعبرة عظيمة، ورسالة إلى البشرية أجمع بألّا تعلو في القلب محبّة فوق محبة الله، بألّا يتعلّق مخلوق بزائل، وفي ترديدنا لهذا الذكر “لا إله إلا الله” أن تعظيمنا لله وحده، وإفرادنا بمشاعر التعلق والتعبد والتعظيم لله وحده، لا يصل لتلك المكانة العظيمة أحدٌ إلا الله وحده دون سواه، وللإفراد أهمية كبيرة.

يُدرك الإنسان في وقتٍ من حياته حقيقة أن ما كلّ ما يلمعُ ذهبًا، وما كلّ ما تظنه جميلًا في مظهره هو كذلك في جوهره، قد يكون الأشخاص الذين ظننتهم الضوء في آخر النفق مجرد مصباح ضوئي يعمل بالبطاريات، والمسألة هي مسألة وقت واستهلاك، ثمّ ينطفئ.. الضوء في داخلك وهو ما سينعكس على الأشياء من حولك فتُضيء بك. لذلك ارعَ ضوءَك الداخلي، ابقَ مضيئًا دائمًا “لا تنطفئ وأنتَ الذي اعتاد العالم توهجّك”.

لا تمنح حدسك الثقة التامة في بداية الأمر، أنتَ بحاجة لأن تمنح الأمور وقتها، أن تمنح الأشخاص فُرصة الظهور على حقيقتهم، أن تختبر توقعاتك، أن تُخضعهم لتجربة الفرار، أن تُفلتَ يدك عن التعلّق بهم؛ لتختبر رغبتهم في التمسك بك.

وأخيرًا أتمنى أن تمرّ عُزلتكم هذه بالكثير من التأملات التي تُعيد للروح طمأنينتها، وتهذّب من الطباع ما أفسدته الخُلطة، وتُريحُ أجسادكم من وعثاء السفر والركض واللهثِ وراء كلّ شيء، فتُصلح بها قلوبٌ ضلّت، وتعود بها ألبابٌ إلى رشدها، فتميزَ الخبيث من الطيب، وتهتدي إلى ما فيه صلاحُ نفسها.

قيمة المرء ما يُحسنه..

7ca595fef959a2431bbe75fb9304b368


في إحدى مقاعد الانتظار انشغلت بمشاهدة أحد مقاطع الفيديو للاتصال الذي تلقاه الشهير -غاري فاينرتشوك- لفتاة في عمر الثانية والعشرون عندما تحدثت عن قلقها في مرحلة ما بعد تخرجها من الجامعة، وشعورها بأن عليها أن تقوم بعمل شيء عظيم.
عندما استمعت إلى المقطع وجدت في داخلي تأييدًا شبه تام لما قاله غاري، ووجدتني أتساءل عن حقيقة الضغط الهائل الذي نراكمه في داخلنا تجاه التزامنا الشديد بأنه يجب علينا القيام بإنجاز عظيم في وقت قصير، كيف أننا نتسابق مع الآخرين في الوصول إلى غاية عظيمة، عظيمة لدرجة أنها تكاد تكون شبه مستحيلة في الوقت الزمني الذي حددناه بطريقة عشوائية! كأن نصبح أثرياء جدًا خلال الخمس سنوات القادمة، لقد أجاب غاري الفتاة عندما قالت عبارة تشبه تلك بأن قولها لتلك العبارة يؤكد له بأنها لن تفعل ذلك، لن تصبح ثرية خلال هذه المدة الزمنية القصيرة إلا بحصولها على معجزة ما!

الاستعجال في النجاح يأتي نتيجة مقارنتنا إنجازاتنا بإنجازات الآخرين مع إغفالنا التام عن مقارنة ظروفنا بظروفهم، الأمر يجب أن يكون منطقيًا حتى نتخفف من ضغوط وأعباء التفكير الزائد الذي قد ينتهي بنا إلى الدخول في حالات من الإحباط عندما نكتشف بأن الوقت الذي حددناه للإنجاز انقضى ولم نقم بالإنجاز المخطط له.
من الأشياء التي يمكن لممارستها أن يحول دون الشعور بالإحباط هي أن نقوم بإنجازات بسيطة على فترات قصيرة ومتفاوتة، نقارن الشخص الذي نحن عليه اليوم بالشخص الذي كنا عليه بالأمس، أن نقارن الحاضر بالماضي من وقت لآخر، أن نشعر بالاحتفاء عندمَا نجد تغيرًا هائلًا ومدهشًا بين الأمس واليوم، بأننا أصبحنا ولو جزءًا يسيرًا من الشخص الذي تمنينا أن نكون عليه، أن نقيس إنجازاتنا بموضوعية، وتعبيري عن الأمس واليوم هو تعبيرًا مجازيًا قد يتضمن قبل شهر وبعده، أو قبل ستة أشهر وبعدها، أو قد يكون قبل سنة سنتين …. إلخ. تلك الإنجازات ستصب في النهاية في نصاب الإنجاز الكبير.

حديث الفتاة وإصرارها لأن تصبح مميزة وذات قيمة وهدف من خلال عمل شيء عظيم في حياتها أخذني إلى منحى آخر في التفكير، إننا نبحث عن قيمة أنفسنا من خلال العمل الذي نقوم به.

يقول الإمام علي -رضي الله عنه-: “قيمة كل امرئ ما يحسنه”

القيمة التي ستضاف لحياة كل منا من خلال عملنا وإنجازنا ونجاحاتنا، القيمة التي توجد عند الإنسان باختلاف وضعه ومكانه وحاجته، قيمة ما يفعله الفرد في مجتمعه، كيف يمكن لكل ذي حِرفة ومهارة أن يُحسن عمله، يجوّده ويتقنه، لتنعكس تلك القيمة على المجتمع، الأهداف التي يضعها الأفراد في حياتهم وعندما نتعمق فيها سنجد أنها في النهاية تؤدي إلى نجاح الدائرة الكبيرة التي تحيط به “المجتمع”.

يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: له حِرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني.”

وتلك هي قيمة المرء، أن لا يكون كسولًا ملولًا، عاطلًا بطّالًا، لا قيمة له ولا عمل. إنه الوقت لأن يطوّر الأفراد مهاراتهم، أن يستثمرونها لمنفعة أنفسهم، ومنفعة المجتمع والأمة.
بعد التأمل العميق خلال الفترة الأخيرة في أهدافي ودوافعي وجدت أنها في النهاية تأتي تحت التساؤل: ماهي القيمة التي سأضيفها للمجتمع من خلال هذا الدور؟
وذلك ما جعلني لا أستطيع الانقطاع عن العمل التطوعي، إن شعوري بأن أكون شخصًا يقدم خدمة تساهم في نهوض مجتمعه هو شعورٌ رائع.

أعتقد بأن الإنسان جُبل في النهاية إلى أن يكون نافعًا بشكل كبير، بغض النظر عمّا يخلّفه هذا الشعور في نفسه من العظمة والسعادة والرضا، ولكن بالتركيز على العمل نجد بأنه طالما أن الإنسان يسعى لفعل شيء نافع وصائب وتحقيق نجاح عظيم في محيطه فذلك يستوجب أن تتاح له سبل الدعم المُختلفة لتحقّق تلك الطاقة إنجازًا هامًّا على أرض الواقع.
لذلك تسعى المجتمعات إلى تمكين الأجيال الجديدة التمكين الصائب، والذي يصب في مصلحتنا جميعًا.

(عن ابن شهاب: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم).

الشباب هم ثروة المجتمعات، وقمع رؤيتهم، وإخماد شغفهم، وإبطال فاعليتهم، هي أحد الأساليب السامة التي من الممكن أن تعرقل نهوض الأمة، لقد لفتني خلال قراءتي لسيرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اهتمامه بالشباب، لقد علم يقينًا بأن الحضارة تحتاج دومًا لأن تضخ فيها دماء جديدة. إنه مدعاة للتفاؤل، وواعدٌ بالنهضة أن نكون في عصر يمكّن فيه الشباب ويُمنحون الثقة الكاملة، لبناء الحضارة، فالحضارة تحتاج لأجيال متعاقبة ومتفاوتة، التجدد مطلبٌ أساسي لازدهار المجتمع.
وهكذا تُبنى الأمم..!

 

نحنُ البشر الذين يأكلهم اللاشيء!

 Image-1

 

أنهيت قراءة كتاب “فنّ اللامبالاة” والذي أعترف بأنه كان رفيقًا جيدًا، تفوّق في روعته على الكثير من الرفقة البشرية هذه الأيام، الرفقة الذين يحملونك بالكثير من المسؤولية، والكثير من الالتزام تجاههم.
تحدّث الكتاب في الجزء الأول عن القلق الزائد والذي يقضّ راحتنا، ذلك القلق المرتبط برغبتنا الشديدة في فعل الأشياء الصحيحة، القلق الذي يأكلنا عندما نقوم بفعل خاطئ، والذي يجعل عقدة الذنب تتربص بنا عند كل إخفاقه.
حيث يخبرنا مارك مانسون بأن عليك أن تقول لنفسك عندما يداهمك ذلك الشعور الجحيمي: “لدي إحساس سيء! حسنًا ما أهمية هذا؟” ثم تكتسي بحلّة اللامبالاة وتمضي في حياتك الطبيعية متقبلًا جميع النقائص، وجميع الكوارث التي قد تحدث.
بعد عدة تجارب متهوّرة نوعًا مّا، تنحيّت عن صراعي الأبدي لأصل لمرحلة الكمال، لا يجب علينا أن نكون أشخاص كاملين دائمًا، هل فكّرت بأن تقوم بتجربة خاطئة فقط لتعرف شعور الوقوع في الخطأ، تتعرف على شعور المذنب، ثمّ بعد ذلك تتيقن جيدًا بأنك لست أهلًا لأن تحكم على الأشخاص المذنبين، بأنهم غير قادرين على فعل أشياء أخرى صحيحة بسبب الأخطاء التي ارتكبوها.

"الرغبة في التجارب الإيجابية تجربة سلبية؛ وقبول التجارب السلبية تجربة إيجابية."

ليس عليك أن تشعر بالرضا طيلة الوقت، وليس عليك أن تحصل على كل شيء في وقت واحد، وكلما ازدادت رغبتك في الحصول على شيء ما أنت بذلك تثبت افتقارك لذلك الشيء، ويزداد تركيزك على افتقارك إليه، وذلك يؤدي إلى تركيزك الدائم على تلك الحلقة المفرغة والتي ستحاول بشتى الطرق ملئها، ثم إذا لم تستطع ذلك، ستكبر دائرة الشعور السيء في داخلك شيئًا فشيئًا حتى تصبح خارج سيطرتك آخر الأمر.
 إضافةً إلى ذلك تطرق الكاتب لمصطلح مثير:  “السعادة من حل المشاكل”
حيث يقول بأن المشاكل ثابت من ثوابت الحياة، ولا تتوقف المشاكل أبدًا، قد نسعى إلى حل مشكلة ما، أو قد نتركها تتفاقم، وليست المشكلة في وجود المشكلة بحد ذاتها بل في أن نتهرب من حلها، فالخلطة السحرية تكمن في “الحل”.
“حل مشاكلك، وكُن سعيدًا!”
قسّم الكاتب الأشخاص الذين يواجهون المشاكل إلى قسمين:
–       أشخاص ينكرون وجودها وبالتالي يلهون أنفسهم عن أي مشكلة، وذلك قد يمنحهم الراحة قصيرة المدى ولكنها تؤدي إلى حالة من العصابية والاكتئاب وانعدام الأمان.
–       ذهنية الضحية: حيث أن هؤلاء الأشخاص يعشقون دور الضحية، يجلسون في الزاوية، ويشعرون بأنه ما من شيء قادر على حل المشكلة، بالتالي يسعى هؤلاء (الضحايا) إلى لوم الآخرين على مشكلاتهم، ولوم الظروف الخارجية، ذلك يجعلهم على قدر من الراحة على المدى القصير ولكنه يؤدي بهم إلى حياة من العجز واليأس والحنق الدائم.
تطرق الكاتب إلى حالة يلجأ إليها الأشخاص في الحالات السابقة وهي “المخارج السريعة” تلك التي قد تشعرك بالتخدير لفترة مؤقتة والتي يلجأ إليها “مرشدي المساعدة الذاتية”، حيث يقومون بحقنك بسلسلة من الأفكار الإيجابية عن نفسك، أو بتشجيعك لفعل عمل عظيم تزداد من خلاله مشاعر الرضا، أن تشغل نفسك عن المشكلة الأساسية، تلك الأفكار التي ربما تخدر إحساسك بالألم جرّاء المشكلة، ولكن عادة ما يعود الإحساس على شكل هبوط مفاجئ في شعور الراحة والأمان والسعادة، لتشعر بأنك سقطت في حفرة عميقة لم تكُن تعلم بوجودها وأنت تسير في طريقك لتخدير ألمك.
أليس الأفضل أن تقوم بمعالجة جذور المشكلة، بحل أساسياتها ثم تمضي بعد ذلك إلى حياتك المثيرة والرائعة!؟
 ننتقل إلى عبارة أخرى رائعة في الكتاب:
 “تذكّر دائمًا أن للألم غاية!”
إنّ اتخاذ القرار استنادًا إلى الحدس الانفعالي من غير الاستعانة بالتفكير المنطقي لضبط هذا الحدس، يؤدي بك إلى الفشل.
لابد وأننا قد تعرضنا لمشاكل جعلتنا نتخذ قرارات حاسمة تحت تأثير الظرف الانفعالي، أو نقوم بتصرفات متسرعة دون أن نعرضها للمنطق والتفكير، ذلك يؤدي إلى سلسلة من القرارات الفاشلة، والتي نندم لاحقًا على اتخاذها، بالمقابل عندما تشعر تحت حالة انفعالية معينة بأنك ترغب بشدة لاتخاذ قرار ما، ولكنك تجعل الأمر تحت السيطرة والتفكير لمدة معينة، أنت بذلك تنظر للزوايا المختلفة من الموضوع، بالإضافة إلى أنك تدرس الاحتمالات المختلفة للنتائج التابعة للأمر، لن تندم أبدًا على قرار اتخذته بعد تفكير عميق واستشارة بنّاءه من أشخاص تثق في خلفيتهم المعرفية، وسويّة عقولهم، واستقرار حالتهم الذهنية.
يوجّه الكاتب سؤالًا غريبًا من نوعه ولكنّه يفتح به أفقًا واسعًا للتفكير:
“ما الألم الذي تريده في حياتك؟ وما الذي تظن أنك مستعد للكفاح من أجله؟” 
لتجيب على هذا السؤال عليك أن تتخيل الألم الناتج عن أي رغبة جامحة لشيء مّا، وأن تتسلح بالقوة الكافية للحصول على ذلك الشيء، لن تجد أمامك طريقًا مكلّلًا بالورد تمشي عليه لتصل إلى رغبتك، أو لتحقق الشيء الذي تحلم به.
نرغب في أن نكون أصحاب أعمال ناجحة، وأن نحصل على مستويات معيشية راقية، وأن نصنع إنجازات عظيمة، ولكن تلك الأشياء لن تأتي دون مخاطرة، دون ساعات طويلة من العمل، دون أن تغفو على جهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه ستّ ساعات متواصلة وقد تصل إلى العشر دون أن تشعر، لن تصل إلى ما تريد دون أن يعترض طريقك أشخاص على قدر عالٍ من الجهل يتربصون مسيرتك، ويرمون الحجارة في طريقك، لن تصل دون أن تمر بمحاولات عديدة فاشلة، الفشل هو خطوة أساسية وثابتة لتتعلم.

"إن ما يقرر نجاحك ليس "ما تريد أن تستمتع به؟" بل إن السؤال الصحيح هو: "ما الألم الذي أنت راغبٌ في تحمّله وقادرٌ على تحمّله؟" إن الطريق إلى السعادة دربٌ مفروشة بالأشواك والخيبات.
عليك أن تختار شيئًا! لا يمكنك أن تحظى بحياة لا ألم فيها. لا يمكن أن تكون الحياة كلها مفروشة بالورود طيلة الوقت. السعادة هي السؤال السهل. وتكاد الإجابة على هذا السؤال تكون متماثلة عندنا جميعًا.
السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو سؤال الألم. ما الألم الذي أنت راغبٌ في عيشه؟ هذا هو السؤال الصعب الذي له أهمية، السؤال الذي سيوصلك إلى مكان ما في حقيقة الأمر. إنه السؤال الذي يمكنه تغيير نظرتك، وتغيير حياتك. إنه السؤال الذي يجعلني ما أنا عليه ويجعلك ما أنت عليه. إنه ما يحدد الفروق بيننا وما يجمعنا معًا في آخر المطاف."

 
حتى هذه الجزئية من الكتاب أعتقد بأنك عزيزي القارئ امتلأت بما يكفي من الفضول والرغبة الشديدة في اقتنائه وقراءته، كثير من الأمور علينا النظر إليها من زوايا مختلفة، وبالقراءة نستطيع تبادل الأفكار، وتبادل الزوايا.
فلننظر للأمر الواحد من وجهات نظر متعددة، بذلك أستطيع أن أصف عملية التفكير كرداء مطاطي قابل للشد والتوسّع، رداء به من المرونة مايكفي لاستيعاب الأفكار الأخرى.
 
ربمَا أعود بوقفات أكثر لكتاب “فنّ اللامبالاة”. إلى ذلك الحين أتطلع لمعرفة آراءكم المختلفة عن الكتاب.