نحنُ البشر الذين يأكلهم اللاشيء!

 Image-1

 

أنهيت قراءة كتاب “فنّ اللامبالاة” والذي أعترف بأنه كان رفيقًا جيدًا، تفوّق في روعته على الكثير من الرفقة البشرية هذه الأيام، الرفقة الذين يحملونك بالكثير من المسؤولية، والكثير من الالتزام تجاههم.
تحدّث الكتاب في الجزء الأول عن القلق الزائد والذي يقضّ راحتنا، ذلك القلق المرتبط برغبتنا الشديدة في فعل الأشياء الصحيحة، القلق الذي يأكلنا عندما نقوم بفعل خاطئ، والذي يجعل عقدة الذنب تتربص بنا عند كل إخفاقه.
حيث يخبرنا مارك مانسون بأن عليك أن تقول لنفسك عندما يداهمك ذلك الشعور الجحيمي: “لدي إحساس سيء! حسنًا ما أهمية هذا؟” ثم تكتسي بحلّة اللامبالاة وتمضي في حياتك الطبيعية متقبلًا جميع النقائص، وجميع الكوارث التي قد تحدث.
بعد عدة تجارب متهوّرة نوعًا مّا، تنحيّت عن صراعي الأبدي لأصل لمرحلة الكمال، لا يجب علينا أن نكون أشخاص كاملين دائمًا، هل فكّرت بأن تقوم بتجربة خاطئة فقط لتعرف شعور الوقوع في الخطأ، تتعرف على شعور المذنب، ثمّ بعد ذلك تتيقن جيدًا بأنك لست أهلًا لأن تحكم على الأشخاص المذنبين، بأنهم غير قادرين على فعل أشياء أخرى صحيحة بسبب الأخطاء التي ارتكبوها.

"الرغبة في التجارب الإيجابية تجربة سلبية؛ وقبول التجارب السلبية تجربة إيجابية."

ليس عليك أن تشعر بالرضا طيلة الوقت، وليس عليك أن تحصل على كل شيء في وقت واحد، وكلما ازدادت رغبتك في الحصول على شيء ما أنت بذلك تثبت افتقارك لذلك الشيء، ويزداد تركيزك على افتقارك إليه، وذلك يؤدي إلى تركيزك الدائم على تلك الحلقة المفرغة والتي ستحاول بشتى الطرق ملئها، ثم إذا لم تستطع ذلك، ستكبر دائرة الشعور السيء في داخلك شيئًا فشيئًا حتى تصبح خارج سيطرتك آخر الأمر.
 إضافةً إلى ذلك تطرق الكاتب لمصطلح مثير:  “السعادة من حل المشاكل”
حيث يقول بأن المشاكل ثابت من ثوابت الحياة، ولا تتوقف المشاكل أبدًا، قد نسعى إلى حل مشكلة ما، أو قد نتركها تتفاقم، وليست المشكلة في وجود المشكلة بحد ذاتها بل في أن نتهرب من حلها، فالخلطة السحرية تكمن في “الحل”.
“حل مشاكلك، وكُن سعيدًا!”
قسّم الكاتب الأشخاص الذين يواجهون المشاكل إلى قسمين:
–       أشخاص ينكرون وجودها وبالتالي يلهون أنفسهم عن أي مشكلة، وذلك قد يمنحهم الراحة قصيرة المدى ولكنها تؤدي إلى حالة من العصابية والاكتئاب وانعدام الأمان.
–       ذهنية الضحية: حيث أن هؤلاء الأشخاص يعشقون دور الضحية، يجلسون في الزاوية، ويشعرون بأنه ما من شيء قادر على حل المشكلة، بالتالي يسعى هؤلاء (الضحايا) إلى لوم الآخرين على مشكلاتهم، ولوم الظروف الخارجية، ذلك يجعلهم على قدر من الراحة على المدى القصير ولكنه يؤدي بهم إلى حياة من العجز واليأس والحنق الدائم.
تطرق الكاتب إلى حالة يلجأ إليها الأشخاص في الحالات السابقة وهي “المخارج السريعة” تلك التي قد تشعرك بالتخدير لفترة مؤقتة والتي يلجأ إليها “مرشدي المساعدة الذاتية”، حيث يقومون بحقنك بسلسلة من الأفكار الإيجابية عن نفسك، أو بتشجيعك لفعل عمل عظيم تزداد من خلاله مشاعر الرضا، أن تشغل نفسك عن المشكلة الأساسية، تلك الأفكار التي ربما تخدر إحساسك بالألم جرّاء المشكلة، ولكن عادة ما يعود الإحساس على شكل هبوط مفاجئ في شعور الراحة والأمان والسعادة، لتشعر بأنك سقطت في حفرة عميقة لم تكُن تعلم بوجودها وأنت تسير في طريقك لتخدير ألمك.
أليس الأفضل أن تقوم بمعالجة جذور المشكلة، بحل أساسياتها ثم تمضي بعد ذلك إلى حياتك المثيرة والرائعة!؟
 ننتقل إلى عبارة أخرى رائعة في الكتاب:
 “تذكّر دائمًا أن للألم غاية!”
إنّ اتخاذ القرار استنادًا إلى الحدس الانفعالي من غير الاستعانة بالتفكير المنطقي لضبط هذا الحدس، يؤدي بك إلى الفشل.
لابد وأننا قد تعرضنا لمشاكل جعلتنا نتخذ قرارات حاسمة تحت تأثير الظرف الانفعالي، أو نقوم بتصرفات متسرعة دون أن نعرضها للمنطق والتفكير، ذلك يؤدي إلى سلسلة من القرارات الفاشلة، والتي نندم لاحقًا على اتخاذها، بالمقابل عندما تشعر تحت حالة انفعالية معينة بأنك ترغب بشدة لاتخاذ قرار ما، ولكنك تجعل الأمر تحت السيطرة والتفكير لمدة معينة، أنت بذلك تنظر للزوايا المختلفة من الموضوع، بالإضافة إلى أنك تدرس الاحتمالات المختلفة للنتائج التابعة للأمر، لن تندم أبدًا على قرار اتخذته بعد تفكير عميق واستشارة بنّاءه من أشخاص تثق في خلفيتهم المعرفية، وسويّة عقولهم، واستقرار حالتهم الذهنية.
يوجّه الكاتب سؤالًا غريبًا من نوعه ولكنّه يفتح به أفقًا واسعًا للتفكير:
“ما الألم الذي تريده في حياتك؟ وما الذي تظن أنك مستعد للكفاح من أجله؟” 
لتجيب على هذا السؤال عليك أن تتخيل الألم الناتج عن أي رغبة جامحة لشيء مّا، وأن تتسلح بالقوة الكافية للحصول على ذلك الشيء، لن تجد أمامك طريقًا مكلّلًا بالورد تمشي عليه لتصل إلى رغبتك، أو لتحقق الشيء الذي تحلم به.
نرغب في أن نكون أصحاب أعمال ناجحة، وأن نحصل على مستويات معيشية راقية، وأن نصنع إنجازات عظيمة، ولكن تلك الأشياء لن تأتي دون مخاطرة، دون ساعات طويلة من العمل، دون أن تغفو على جهاز الكمبيوتر الذي تعمل عليه ستّ ساعات متواصلة وقد تصل إلى العشر دون أن تشعر، لن تصل إلى ما تريد دون أن يعترض طريقك أشخاص على قدر عالٍ من الجهل يتربصون مسيرتك، ويرمون الحجارة في طريقك، لن تصل دون أن تمر بمحاولات عديدة فاشلة، الفشل هو خطوة أساسية وثابتة لتتعلم.

"إن ما يقرر نجاحك ليس "ما تريد أن تستمتع به؟" بل إن السؤال الصحيح هو: "ما الألم الذي أنت راغبٌ في تحمّله وقادرٌ على تحمّله؟" إن الطريق إلى السعادة دربٌ مفروشة بالأشواك والخيبات.
عليك أن تختار شيئًا! لا يمكنك أن تحظى بحياة لا ألم فيها. لا يمكن أن تكون الحياة كلها مفروشة بالورود طيلة الوقت. السعادة هي السؤال السهل. وتكاد الإجابة على هذا السؤال تكون متماثلة عندنا جميعًا.
السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو سؤال الألم. ما الألم الذي أنت راغبٌ في عيشه؟ هذا هو السؤال الصعب الذي له أهمية، السؤال الذي سيوصلك إلى مكان ما في حقيقة الأمر. إنه السؤال الذي يمكنه تغيير نظرتك، وتغيير حياتك. إنه السؤال الذي يجعلني ما أنا عليه ويجعلك ما أنت عليه. إنه ما يحدد الفروق بيننا وما يجمعنا معًا في آخر المطاف."

 
حتى هذه الجزئية من الكتاب أعتقد بأنك عزيزي القارئ امتلأت بما يكفي من الفضول والرغبة الشديدة في اقتنائه وقراءته، كثير من الأمور علينا النظر إليها من زوايا مختلفة، وبالقراءة نستطيع تبادل الأفكار، وتبادل الزوايا.
فلننظر للأمر الواحد من وجهات نظر متعددة، بذلك أستطيع أن أصف عملية التفكير كرداء مطاطي قابل للشد والتوسّع، رداء به من المرونة مايكفي لاستيعاب الأفكار الأخرى.
 
ربمَا أعود بوقفات أكثر لكتاب “فنّ اللامبالاة”. إلى ذلك الحين أتطلع لمعرفة آراءكم المختلفة عن الكتاب.

 

 

تسلّق الجبل، ولا تستسلم

 صورة1

حسنًا.. أكتبُ الآن وأنا أشعر بشعور جيّد تجاه نفسي، مزيج من الفخر والاطمئنان والثقة، لقد أمضيت الأيام السابقة برفقة نفسي، حقّقت عددًا من الأمنيات، مارست الهوايات المحبّبة لقلبي، دوّنت عددًا من التدوينات المتتابعة، تحدّثت إلى أشخاص ملهمين.

الكثير من الأشياء الجميلة حدثت تباعًا، وذلك ما جعل شعور الامتنان يتراكم بداخلي، أن يخبرك شخصٌ ما بأنه فخور بك ذلك يجعل شعور الانتشاء ينتشر في صدرك، يتمدد عبر أضلعك؛ بالمناسبة: اكتشفت بأن صدق العبارة يصنع فارقًا بأيامك، بالإضافة إلى حسن الحديث، لذلك أريد التنويه على عنصر اللباقة والذي يقارب بين القلوب. (كلمة طيّبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).

عودةً إلى حديثي عن الأيام الجميلة، تضمّنت تلك الأيام أمورًا عدة أوصلتني إلى استنتاجات تستحق التدوين:

  • كُن منفتحًا للتجارب واقتنص الفرص اقتناص الصقر لفريسته.
  • جرّب أمورًا عدة، لا بأس في تعدد التجارب، لن تُنقص منك شيء بقدر ما ستضيف لك الكثير.

 في إحدى الحوارات التي دارت بيني وبين أحد الأشخاص حول تعدد التجارب والهوايات، البعض يشعر بالخزي عندمَا لا يحدد نفسه ضمن أمر واحد ويشعر بأن تعدد الأمور التي يهتم بها يدل على تشتته، ولي وجهة نظر مغايرة حول هذا الموضوع، أن تكون متفتحًا للعديد من التجارب، ومستقبلًا لخبرات متنوعة هو أمر جيّد، وبالطبع حدود هذا التنوع معروفة، وذلك أن تكون في المجالات التي من الممكن ممارسة أمور متنوعة فيها، كالهوايات، والاطلاع على المجالات المتنوعة، فلا بأس بأن تكون موظفًا في مجال ينضح بالأرقام والمعادلات، بينما لديك اهتمام بمجال آخر لمعرفة الجديد فيه والقراءة فيه، والبقاء على اطلاع دائم، وذلك ما سهّلته علينا وسائل التواصل الاجتماعي.

  • تعلّم فنّ اللامبالاة، ولكي تتعلم هذا الفنّ المدهش والمريح أنصحك بقراءة كتاب (فن اللامبالاة) للكاتب: مارك مانسون. وبهذا الخصوص أريد الالتفات إلى ترجمة الحارث النبهان، لقد عقد المترجم صلحًا بيني وبين الكتب المترجمة من خلال عمله المبدع والمتقن في نقل الفكرة من لغة إلى أخرى بسلاسة تامة ووضوح وإبداع.
  • تجاهل كل من يحاول سحبك إلى منطقته الغير مريحة، السلبية، والمليئة بالضغائن، تجاهل مشاعر الغيرة والحقد المنبعثة من الآخرين، لا تفكّر في الأمر كثيرًا، ولا تفتّش عن أسباب كراهية بعض الأشخاص لك، عوضًا عن ذلك مارس أمورًا تحبهَا، كأن تكون في علاقة مريحة باعثة للاطمئنان.

بالمناسبة: الأشخاص الذين ينفثون نيران غيضهم في وجهك لا يحرقونك بل يعلّمونك كيف تصنع لنفسك الحماية اللازمة كي تتجنب التأثير المنبعث منهم.

  • لا توجد مهمّة صعبة، أؤمن بدرجة كبيرة بأن عقل الانسان معجزة إلهية، وبأنه قادر على تبسيط جميع المهام وإنجازها، ستندهش من نفسك حين تخبرها دائمًا بأن المهمة بسيطة ويمكن إنجازها في وقت قصير.
  • اشرع مباشرة في تطبيق الأمر، وتنفيذ المهمة دون تردد، لا تعلّق المهام ولا تؤجلها، ما دمت مستعدًا بنسبة ٥٪ فأنت بالتأكيد مستعد، لا تفوت تلك النسبة البسيطة، منها ستنطلق إلى إنجازات عظيمة.
  • حين تحتاج المساعدة اطلبها دون تردد، اسأل عندما تريد أن تعرف شيئًا محددًا، ابحث عندما تريد الحصول على معلومة أكيدة، مرّن مهارة البحث لديك، ابتكر طرقًا جديدة للوصول إلى المعلومة.

في عملي الحالي واجهتني مشكلة (صعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة في وقت قصير وبجهد بسيط) كنتُ أنظر لتلك المشكلة بأنها معيقة لتقدمي، فيما بعد أيقنت بأن تلك المشكلة مكّنتني من اكتشاف مهارة البحث لدي، صعوبة الوصول للمعلومة مكّنني من ابتكار طرق عديدة لتوفير المعلومات وتقريبها وجعلها متاحة لي في الوقت المناسب، لم أكن لأتعلم تلك المهارة لو لم تكن المشكلة موجودة، لذلك بعض المشكلات هي في حقيقة الأمر أمورًا جيدة تحصل لنا، نتعلم من خلالها العديد من المهارات والأساليب المبتكرة.

  • ابق على تواصل فعّال بالأشخاص الذين يبثّون شعور الراحة، الأشخاص المحفزين، والنشيطين، ستجد منهم طاقة عظيمة في الوقت الذي تشعر فيه بكسل أو إحباط، أبقهم على مقربة منك.

تلك الاستنتاجات لم أتوصل لها بين عشية وضحاها، لقد مرّرت بمخاض طويل خلال الفترة السابقة، واجهت شخصيات متنوعة ومختلفة، ولا زلت. ولكن القراءة والاطلاع الدائمين كانا عامل مساعد لتخطي الصعاب، بالإضافة إلى الحوارات الهادفة، التعرّف على أشخاص جدد، بناء علاقات قوية، تلك الأمور تعالج الانكسارات التي تتسبب فيها المواقف والظروف الصعبة.

وأخيرًا.. رغمًا عن أنف الظروف المحيطة بك، عليك أن ترفض إلّا أن تتألق، لأنه سيبدو من السخيف جدًا أن تتوقف هنيهة من الزمن لتعطي الفرصة للآخر المليء بندوب الشؤم، والمشوّه بفضاضة الطباع، وغلاظة القلب، أن يلمس رغبتك الجامحة في أن تتجاوز كل عقبة، من السخيف أن تفسح له المجال ليكون هو العقبة. تذكّر كلامي جيدًا.

 

حظًا موقفًا يا أصدقاء

 

 

 

الجهود الفردية؛ طاقة كامنة!

IMG_3114

 

استوقفتني عبارة “الجهود الفردية” التي جاءت موافقة لفكرة مررت عليها في إحدى قراءاتي؛ بأنه من المهم جدًا أن يتم التركيز على الأفراد إلى جانب التركيز علي المجتمع ككل، فالمجتمع يتكون من الأفراد، وإذا ما أردت إقناع مجتمع ما بفكرة، ابدأ باستقطاب أفراده، إلى جانب آخر إذا ما أردت تطوير منشأة أو شركة أو أي بيئة كانت، ركز جهودك على الأفراد الذي هم الأساس لبناء أي صرح، سواء تعليمي، أو تجاري، أو صرح مؤسسي، أنت بحاجة إلى الجهود الفردية، إلى ولاء الأفراد، إلى كسب ثقة كل فرد، لذلك لا يمكن أن يتم تجاهل الجهود الفردية.

للأسف بدا لي بأن الغالبية العظمى من الجهات الكبيرة وخصوصًا في الإعلام تلجأ إلى أن تصب الفكرة التي تريد إيصالها لدى مجتمع كامل بطريقة فلسفية صعبة، متجاهلين انطباع الأشخاص البسيطين الذين يستخدمون محركات البحث للحصول على معلومات مبسطة وواضحة.

كأن تستغل جهة مّا الإعلام لطرح فكرتها حول ظاهرة ما، تستقطب شريحة كبرى من المجتمعات المختلفة، تعرض الفكرة من خلال دراسات معقدة بأساليب فلسفية، متجاهلة تمامًا الشريحة البسيطة التي تبحث عن الفكرة الواضحة.

أستطيع أن أعتبر هذه المقالة رسالة موجهة إلى الكتّاب أيضًا، الذين يملكون فكرةً عظيمة، ورسالة هادفة، لأن يسعوا إلى توسيع دائرة الفئة المستهدفة، من خلال تبسيط الأسلوب وتوضيح الفكرة، وعدم تعقيد المفردات والكلمات والصياغات، بأن تكون الكتب في المكتبات واضحة وبسيطة يستطيع الأفراد العاديون اقتناءها والاستفادة منها، وبذلك تصل الفائدة إلى أكبر شريحة ممكنة.

بالإضافة إلى المؤسسات التي تبدأ في وضع خطة إعلانية، تدفع أموالًا طائلة لنجاح حملاتها الإعلانية، وتتجاهل تمامًا المستهلك البسيط الذي لا تجذبه الحملات الإعلانية بقدر ما تجذبه جودة المنتج الذي بين يديه، ألم تفكر كصاحب منشأة أن باستطاعتك اختصار الآلاف المؤلفة من المبالغ المالية التي تنفقها في حملات إعلانية، من خلال تكثيف جهودك على جودة المنتج ليظهر في شكله النهائي بجودة عالية تحوز على رضا العميل النهائي، وبالتالي يعمل المنتج على تسويق نفسه، هل تجاهلت جهد ذلك المستهلك البسيط في إيصال مشاعر الرضا عن المنتج إلى أهله وأقاربه ومجتمعه والمحيطين به، لو أنك عملت على استهداف الجهود الفردية للأشخاص البسطاء إلى جانب الحملات الدعائية لحققت نتائج عظيمة، ولا أقلل بذلك أي عمل دعائي وإعلامي على العكس، أنا هنا أتحدث عن الموازنة، على ألّّا يتم تجاهل الأفراد تمامًا؛ بل أن يتم التركيز على الفرد كجزء من الحملة التي تستهدف مجتمعًا كامل.

بالطبع لا زلت مع فكرة أهمية الحملات الإعلامية لأي فكرة، ولأي رؤية، ولكن على الصعيد الفردي والجماعي على حدّ سواء، وذلك ما يدعوني دائمًا إلى وضع الميزان أمام كل أمر، وموازنة الأمور بالعقل والحكمة.

عودةً إلى الجهود الفردية، ولازال مثالي الذي يتناول المنشآت قائم، لو أن المنشأة ابتدأت بتسويق منتجاتها لدى العاملين لديها، وذلك من خلال كسب ولاء كل فرد بالمنظمة، ثم تحدث الأفراد في المنظمة عن الجهود المبذولة ليصل المنتج بهذه الجودة، “حملات تسويقية بسيطة ابتدأت من الأفراد العاملين في المنظمة باختلاف جنسياتهم”، الناس تصدّق التجارب الحية أكثر مما تصدق الحملات المبهمة التي تحتمل الصدق والكذب على حد سواء، التجارب الحيّة هي المسوّق الأول والأخير والأساسي للمنتج.

بالإضافة إلى الحملات الإعلانية، عليك أن تسعى إلى كسب ولاء العميل الداخلي قبل أن تقفز إلى عميل خارجي بعيد، ابدأ بالعميل الداخلي، الفئة العاملة في المنظمة، أنتَ بحاجة إلى أن تكسب ولاء هذه الفئة لأنها السلّم الأساسي الذي يوصلك إلى عملائك الخارجيين، بدون ولاء وإخلاص العميل الداخلي جهودك المبذولة في سبيل الوصول إلى أهدافك ستبوء بالفشل عاجلًا أم آجلًا.

العديد من المؤسسات وبالأحرى إدارات الموارد البشرية في المؤسسات تتجاهل إشباع رغبات العملاء الداخليين، تتجاهل الحصول على رضاهم، لا تقدم أي حوافز مادية أو معنوية للعملاء الداخليين، تتجاهل مشكلاتهم، تمارس الضغط بأساليب منفّرة وطاردة، مما يؤدي إلى وجود عامِل محبط، يشعر بمشاعر سلبية تجاه المنظمة لا تلبث تلك المشاعر طويلًا حتى تتحوّل إلى رغبة جادة في ترك المنظمة وإعطاء فكرة سلبية عنها لدى العملاء الخارجيين، وذلك يؤدي إلى فشل المؤسسة في تحقيق الأهداف المرجوّة من الحملات الدعائية التي استهدفت العملاء الخارجيين.

المنظمة التي لا تستطيع كسب رضا وولاء العملاء الداخليين والذين يقعون ضمن دائرتها، بالتأكيد لن تستطيع كسب رضا وولاء العملاء الخارجيين الذين لا يقعون ضمن دائرتها.

أعود إلى عبارة “الجهود الفردية” ومن خلالها أستطيع التلخيص بأن تعزيز الجهود الفردية من خلال الحوافز المعنوية والمادية “كالثقة المتبادلة، وتعزيز الإبداع الابتكار، والعمل على تطوير نظام المكافآت، وإيجاد بيئة مريحة محفزة، والاستماع إلى رأي كل فرد في المنظمة” جميعها عوامل تساعد في تسهيل الوصول إلى رضا العميل الداخلي الذي يؤدي بكل تأكيد إلى كسب رضا العميل الخارجي.