الجهود الفردية؛ طاقة كامنة!

IMG_3114

 

استوقفتني عبارة “الجهود الفردية” التي جاءت موافقة لفكرة مررت عليها في إحدى قراءاتي؛ بأنه من المهم جدًا أن يتم التركيز على الأفراد إلى جانب التركيز علي المجتمع ككل، فالمجتمع يتكون من الأفراد، وإذا ما أردت إقناع مجتمع ما بفكرة، ابدأ باستقطاب أفراده، إلى جانب آخر إذا ما أردت تطوير منشأة أو شركة أو أي بيئة كانت، ركز جهودك على الأفراد الذي هم الأساس لبناء أي صرح، سواء تعليمي، أو تجاري، أو صرح مؤسسي، أنت بحاجة إلى الجهود الفردية، إلى ولاء الأفراد، إلى كسب ثقة كل فرد، لذلك لا يمكن أن يتم تجاهل الجهود الفردية.

للأسف بدا لي بأن الغالبية العظمى من الجهات الكبيرة وخصوصًا في الإعلام تلجأ إلى أن تصب الفكرة التي تريد إيصالها لدى مجتمع كامل بطريقة فلسفية صعبة، متجاهلين انطباع الأشخاص البسيطين الذين يستخدمون محركات البحث للحصول على معلومات مبسطة وواضحة.

كأن تستغل جهة مّا الإعلام لطرح فكرتها حول ظاهرة ما، تستقطب شريحة كبرى من المجتمعات المختلفة، تعرض الفكرة من خلال دراسات معقدة بأساليب فلسفية، متجاهلة تمامًا الشريحة البسيطة التي تبحث عن الفكرة الواضحة.

أستطيع أن أعتبر هذه المقالة رسالة موجهة إلى الكتّاب أيضًا، الذين يملكون فكرةً عظيمة، ورسالة هادفة، لأن يسعوا إلى توسيع دائرة الفئة المستهدفة، من خلال تبسيط الأسلوب وتوضيح الفكرة، وعدم تعقيد المفردات والكلمات والصياغات، بأن تكون الكتب في المكتبات واضحة وبسيطة يستطيع الأفراد العاديون اقتناءها والاستفادة منها، وبذلك تصل الفائدة إلى أكبر شريحة ممكنة.

بالإضافة إلى المؤسسات التي تبدأ في وضع خطة إعلانية، تدفع أموالًا طائلة لنجاح حملاتها الإعلانية، وتتجاهل تمامًا المستهلك البسيط الذي لا تجذبه الحملات الإعلانية بقدر ما تجذبه جودة المنتج الذي بين يديه، ألم تفكر كصاحب منشأة أن باستطاعتك اختصار الآلاف المؤلفة من المبالغ المالية التي تنفقها في حملات إعلانية، من خلال تكثيف جهودك على جودة المنتج ليظهر في شكله النهائي بجودة عالية تحوز على رضا العميل النهائي، وبالتالي يعمل المنتج على تسويق نفسه، هل تجاهلت جهد ذلك المستهلك البسيط في إيصال مشاعر الرضا عن المنتج إلى أهله وأقاربه ومجتمعه والمحيطين به، لو أنك عملت على استهداف الجهود الفردية للأشخاص البسطاء إلى جانب الحملات الدعائية لحققت نتائج عظيمة، ولا أقلل بذلك أي عمل دعائي وإعلامي على العكس، أنا هنا أتحدث عن الموازنة، على ألّّا يتم تجاهل الأفراد تمامًا؛ بل أن يتم التركيز على الفرد كجزء من الحملة التي تستهدف مجتمعًا كامل.

بالطبع لا زلت مع فكرة أهمية الحملات الإعلامية لأي فكرة، ولأي رؤية، ولكن على الصعيد الفردي والجماعي على حدّ سواء، وذلك ما يدعوني دائمًا إلى وضع الميزان أمام كل أمر، وموازنة الأمور بالعقل والحكمة.

عودةً إلى الجهود الفردية، ولازال مثالي الذي يتناول المنشآت قائم، لو أن المنشأة ابتدأت بتسويق منتجاتها لدى العاملين لديها، وذلك من خلال كسب ولاء كل فرد بالمنظمة، ثم تحدث الأفراد في المنظمة عن الجهود المبذولة ليصل المنتج بهذه الجودة، “حملات تسويقية بسيطة ابتدأت من الأفراد العاملين في المنظمة باختلاف جنسياتهم”، الناس تصدّق التجارب الحية أكثر مما تصدق الحملات المبهمة التي تحتمل الصدق والكذب على حد سواء، التجارب الحيّة هي المسوّق الأول والأخير والأساسي للمنتج.

بالإضافة إلى الحملات الإعلانية، عليك أن تسعى إلى كسب ولاء العميل الداخلي قبل أن تقفز إلى عميل خارجي بعيد، ابدأ بالعميل الداخلي، الفئة العاملة في المنظمة، أنتَ بحاجة إلى أن تكسب ولاء هذه الفئة لأنها السلّم الأساسي الذي يوصلك إلى عملائك الخارجيين، بدون ولاء وإخلاص العميل الداخلي جهودك المبذولة في سبيل الوصول إلى أهدافك ستبوء بالفشل عاجلًا أم آجلًا.

العديد من المؤسسات وبالأحرى إدارات الموارد البشرية في المؤسسات تتجاهل إشباع رغبات العملاء الداخليين، تتجاهل الحصول على رضاهم، لا تقدم أي حوافز مادية أو معنوية للعملاء الداخليين، تتجاهل مشكلاتهم، تمارس الضغط بأساليب منفّرة وطاردة، مما يؤدي إلى وجود عامِل محبط، يشعر بمشاعر سلبية تجاه المنظمة لا تلبث تلك المشاعر طويلًا حتى تتحوّل إلى رغبة جادة في ترك المنظمة وإعطاء فكرة سلبية عنها لدى العملاء الخارجيين، وذلك يؤدي إلى فشل المؤسسة في تحقيق الأهداف المرجوّة من الحملات الدعائية التي استهدفت العملاء الخارجيين.

المنظمة التي لا تستطيع كسب رضا وولاء العملاء الداخليين والذين يقعون ضمن دائرتها، بالتأكيد لن تستطيع كسب رضا وولاء العملاء الخارجيين الذين لا يقعون ضمن دائرتها.

أعود إلى عبارة “الجهود الفردية” ومن خلالها أستطيع التلخيص بأن تعزيز الجهود الفردية من خلال الحوافز المعنوية والمادية “كالثقة المتبادلة، وتعزيز الإبداع الابتكار، والعمل على تطوير نظام المكافآت، وإيجاد بيئة مريحة محفزة، والاستماع إلى رأي كل فرد في المنظمة” جميعها عوامل تساعد في تسهيل الوصول إلى رضا العميل الداخلي الذي يؤدي بكل تأكيد إلى كسب رضا العميل الخارجي.