مُستعدّ للمرحلة التالية؟

65cc70c753537d9b5935e9993fecc816

“هل أنت في الموضع الذي تريد أن تكون فيه على الصعيد المهني؟”
لقد شكّل هذا السؤال باختصار عنوان المرحلة المهنية الحالية بالنسبة لي، لا أعتقد بأننا جميعًا وعلى نسبٍ متقاربة نشعر برضًا تام عن الموضع الذي نحنُ فيه، إذ لابدّ من أن يأكل الطموح من مقدار الرضا؛ ليدفعنا إلى مضمارٍ أوسع نتسابق فيه مع من هم أسرع وأفضل وأعلى منّا.

فكرة تقسيم فترة الحياة المهنية إلى أقسام ثابتة فكرة جيّدة وفعّالة، حيث أنك بعد كلّ فترة تكون قادرًا على تكوين فكرة عامة تمكّنك من بدء المرحلة التالية.

ففي الفترة الأولى تواجه الكثير من العقبات والتحديات والأفكار، لا تعلم من أين تبدأ ولا إلى أين تريد التوجه والانتهاء، تتراكم الكثير من الأخطاء لتشكّل شعورًا ضخمًا من الإحباط والرغبة في التراجع.

ثمّ تبدأ تدريجيًا بالتعرف على مجريات الأمور، تسمي الأحداث بأسمائها، تعرف بأن الإخفاق في مهمة أو الإخفاق في الوصول إلى الهدف الذي وضعته أمرٌ حتمي بل ضروري لتكتمل السلسلة التعليمية.

تنتقل بعدها إلى مرحلة التجاوز والقفز على الحواجز، تلك المرحلة التي تكون فيها على قدر عالٍ من الوعي، تعي جيدًا نتائج الأمور والقرارات التي تتخذها، تقفز من فوق الأخطاء التي وقعت فيها في الفترات السابقة دون أن تسقط فيها مجدّدًا.

تليها مرحلة بناء الثقة الداخلية بينك وبين الأشخاص ذوي العلاقة ، وتكوين علاقات خارجية، وبناء قنوات تواصل جديدة، ويعدّ هذا الأمر في غاية الأهمية، تمتدّ فائدته من أداءك العملي، وحتى مرحلة ما بعد الوظيفة، وهي من الأمور المجدية لرفع إنتاجيتك وإطالة عمر نشاطك العملي، وتقوية أساسك الفكري.

 

– أشار “هنري وادسوورث لونجفيلو”: “نحكم على أنفسنا بما نشعر بأننا قادرون على القيام به، بينما يحكم الآخرون علينا بما قمنا به بالفعل“.
عندما تكون على علم بالهدف أو المهمة التي تريد القيام بها، أو المرحلة التالية التي تريد أن تنتقل إليها، فإن ذلك المسار المهني قد يبدو منطقيًا وواضحًا بالنسبة لك، ولكن هذا لا يعني أنه واضح لدى الآخر، وقد تجد صعوبة كبيرة في إيصال نواياك وإنجازاتك إلى الآخرين ولاسيما في مجال العمل الذي تغلب عليه المنافسة الشديدة، تلك المنافسة التي قد تضطر أحدهم لأن يسدل الستار على جهودك وإنجازاتك فقط ليلمع نجمه ويذاع صيته! وللأسف الشديد هذه البيئة السائدة في المنظمات الحالية.
من وجهة نظري الحل لمعالجة مثل هذه الإشكاليات أن نفكّك هذه المشكلة، ونجزئها لأجزاء بسيطة، نحلّلها، ثم نوجد لكل جزء صغير حل يناسبه، والارتجال في مثل هذه الحالات ليس بالأمر الجيد حيث أن تبعاته على الفرد والمنظمة قد يتفاقم ليصبح أسوأ مما كان عليه.

فالحلول العملية لمثل هذه الحالات من وجهة نظري، هي:
– تحلّ بقدر عالٍ من الصبر، أنجِز وإن لم تظهر إنجازاتك على السطح ذلك لا يعني بأنها غير موجودة.
– لا تهدر الكثير من الوقت بالانشغال في تقديم نفسك بشخصية مزيفة للآخرين أو أن تفرض نفسك عليهم أو أن تتحدث إليهم عن مدى عظمتك، عليك أن تتولى مسؤولية تحقيق أهدافك بطريقة استراتيجية، أن تعرف كيفية الوصول إلى الهدف الذي تريده، وآلية الوصول، أن تبتكر الطرق للوصول لا أن تتبع مسيرة وطريقة شخص آخر تظن بأنها أفضل!
– كوّن علاقات جديدة خارج المنظمة في المجالات التي ترغب في أن تكتشفها أكثر، ونسق لاجتماعات قصيرة تنتهي بتعارف جيّد وتبادل الثقة، لا يهمّ أن تكون مستعدًّا مئة بالمئة للاجتماع بهم، فقط قم بالمبادرة والترتيب التلقائي ثم ستجد أن الأمور أبسط بكثير مما تعتقد، وأن العلاقة ستتكون بطريقة سلسلة ومرنة. تلك العلاقات قد تجعلك تشعر بأن هنالك عالم أوسع للإبداع يستحق أن تكون متواجدًا فيه، أن تعرض فيه أفكارك وإنجازاتك ، وتناقش من خلاله الأمور بشكل أدق ، وقد تجلب لك تلك العلاقات فرصًا أجدر بأن تبذل لأجلها طاقتك.
– حضور الندوات والدورات المتعلقة بالمجالات التي ترغب في اكتشافها أمر محبّذ؛ إذ أنها ستفسح لك المجال لتتعمّق أكثر وتحدّد ما إذا كان هذا المجال يتناسب مع درجة حماسك أم لا.
– كُن مُنجز، وركّز على المهمة التي توكَل إليك، تصرّف وكأنك الوحيد المسؤول عنها، تتبعها حتى يتم إنجازها بشكل كامل وممتاز، عندما تعوّد نفسك على تحمّل مسؤولية الإنجاز الفعّال ستجد بأن ذلك سيصبح أسلوب حياة بالنسبة لك وستنجز مهام أصعب وأعقد من تلك التي اعتدت عليها، ستزداد ثقتك بقدرتك على الإنجاز، وتتعاظم قدرتك على تولّي مسؤولية المهام الصعبة والمعقدة بكل ثقة.
– قم بتجربة الأشياء الصعبة والتي ظننت أنه من المستحيل خوضها والنجاح فيها، ارم نفسك وسط الأمر، وتعامل مع الأمر وفق سجيتك مع مراعاة تطبيق الاستراتيجيات التي قرأت عنها أو سمعت بها، ستكون التجربة الأولى مليئة بالأخطاء ولابدّ؛ ولكن تلك الأخطاء هي التي سترسم لك الطريق الصحيح والطريقة الصحيحة، ثم في تجارب لاحقة سترى بأنك أصبحت تعرف الأخطاء التي يجب عليك تجنب الوقوع فيها.
إحدى المواد التي قمت بدراستها في سنوات دراستي الجامعية هي مادة مهارات التفاوض، أحببت المادة جدًّا، إذ أننا لطالما نشاهد تفاوض على الطاولة في كثير من الأفلام والمسلسلات وذلك الأمر بحد ذاته مشوّق جدًا للقيام بتجربته، ولكن لم تأتي الفرصة المواتية لممارسة هذه المهارة، مؤخرًا في إحدى الدورات التي حضرتها خُتمت بورشة عمل تتطلب مني وشريكي إقناع الطرف الآخر بشراء كمية من المعدات الطبية بقيمة محددة لا يقل سعر البيع عنها، وسيكون من المذهل أن يزيد عليها، في البداية شعرت وشريكي بالضياع إذ أن الطرف الآخر بدأ الحوار بصرامة، لكن وعندمَا بدأت بالانسجام وبدأ العقل يتناغم مع هذه اللعبة البسيطة “محاولة إقناع الطرف الآخر” وجدت بأنه من الممتع جدًا القيام بتجربة كهذه تكشف نقاط القوة في شخصيتك وتعمل فيما بعد على تعزيزها، وتكشف أيضًا نقاط الضعف لتعمل على معالجتها لتصبح نقاط قوة.
– من الاستراتيجيات المهمّة جدًا هي استغلال الوظيفة الحالية لتنمية المهارات التي تحتاج إليها في المستقبل، وسّع دائرة المهام التي تقوم بها، قم بمرافقة الأشخاص الذين ترغب في اكتشاف وظائفهم، المتابعة اللصيقة لمدة يوم واحد تنمّي حسك الإدراكي، وتزيد من سرعة تعلمك وإلمامك بالأمور، تعوّد على ملاحظة التفاصيل الدقيقة في طريقة وقدرة الشخص الإبداعية على إدارة الأمور والقيام بالعمل.

تلك الحلول قد تكون مجديةً بشكل جزئي وليس كامل، ولكن وكما أشرت هي حصيلة تحليلية لبعض الأمور والمشكلات التي واجهتني خلال الفترة السابقة، ومحاولة لأن تكون طريقتي في مواجهة مشاكل العمل مجدية وذات طابع إيجابي، فليس علينا أن نجعل الأمور الشائكة تمتص من طاقتنا، وتؤثر في قدرتنا على العمل، على العكس نستطيع بطريقة مّا أن نكون من خلالها أقوى، وأن نخرج منها بفوائد عدة تمكنّنا من الانتقال إلى المرحلة التالية بمعنويات مرتفعة.

4 تعليقات على “مُستعدّ للمرحلة التالية؟”

  1. على قد ماموضوع جميل وسلس
    على قد مالفتني المفردات اللغوية ربما لانني مهتمه بها

    شكرا لك
    وسؤالي من اين لك بهذا اي كتاب اقتبستي منه هذا الموضوع

    1. شكرًا لك عزيزتي..
      الاقتباس بين علامة التنصيص من كتاب إعادة إكتشاف نفسك، الكتاب وسع أفق معرفتي، ولكن ترتيب الأفكار هي نتيجة مخاض مع التجارب.
      شكرًا لك مرة أخرى

التعليقات مغلقة.