هل سبق ودخلت في حوار تحوّل إلى حلبة مصارعة بينك وبين مجموعة من أصدقائك أو أشخاص جمعتكم مناسبة معينة أو اجتماع دافئ، ولكن وبمجرد الدخول إلى نقاش معين تنقسمون إلى وجهات نظر متعدّدة.
على سبيل المثال: عندما تكون بين مجموعة من الأصدقاء، وتقوم بمشاهدة –ستوري- سنابتشات، ثمّ تعلّق: “ياخي والله هذا الإنسان (المشهور) يعرض تفاصيل في حياته لا ينبغي على الجميع أن يراها.”
فيأتي صوت يبدو على نبراته الإعتراض الشديد، يخالف مبدأك، ويثبت لك أن هذا الإنسان يشارك يوميّاته على سبيل الترفيه والمؤانسة، إنه شخص متسامح مع الجميع ويعرض تفاصيل حياته لحبّه لمتابعيه -الذين قد لا يعرفُ عنهم قدر أنملة بينما هم يحفظون تفاصيله-.
ليس بالضرورة أن تفكيره خاطئ، لكنه ينظر إلى الموضوع من خلال إطاره الفكري، وأنت نظرت إلى الموضوع أيضًا من خلال إطارك الفكري الذي ترسّخ في داخلك من خلال اللاشعور الذي استوحيته من عادات وتقاليد ووجهات نظر مجتمعك، فيكون ردك على ذلك بأنه شيء يدعو إلى الخوف حين تشعر بأن آلاف الأشخاص يعرفون ما يحدث في يومك، وأن الوصول إليك في متناول الجميع، وقد تتعرض إلى مضايقات وعداوات وكراهية أشخاص لا تعرف عن وجودهم بينما هم قد كونوا مشاعر معيّنة تجاهك، وتعرّفوا على جوانب عديدة في شخصيتك، وتنافر معك الآلاف، وأحبك الآلاف أيضًا!
بعيدًا عن المثال الذي ذكرته والذي قد يحتمل جوانب مختلفة، وآراء عديدة التفرع، إلّا أنّي أود الحديث عن تعصب العديد من الأشخاص لوجهة نظرهم تجاه أمرٍ مّا قد يكون سياسيًا أو دينيًا أو فنيًا…إلخ
إن كلّ شخص في هذا الكون ينظر إلى ناحية معينة من أي أمر، فلو حدثت مشكلة ما -حادث سير- واجتمع آلاف المتفرجين، لرأيت أن كل شخص منهم ينظر إلى الحادث من ناحيته الخاصة، ويركّز على جانب معين، فذلك ينظر إلى السيارة التي قد تحتاج إلى تكلفة عالية لتعود كما كانت، والآخر يهرع إلى إنقاذ المتأذي من الحادث بينما الآخر يرفع عدسة التصوير في هاتفه لتوثيق التفاصيل، والآخر يشعر بالحزن والأسى على المتأذين من الحادث وآخر قد يلقي باللوم على سائق السيارة الذي لابد و أنه كان مشغولًا أثناء القيادة أو متجاوزًا للسرعة، وكل واحد من هؤلاء المتفرجين لو نظر إلى الجانب الذي يرى من خلاله الآخر إلى الموضوع لاستحقر بعضهم بعضًا.
ذلك ما يجعلنا نختلف في دوافعنا، وفي وجهات نظرنا، وليس عليك التعصب لوجهة نظرك، لا تدري لعلّك مع مرور الأيام تتبنى رأي معارضك وتعارض من كان يتبع نظريتك.
بدأت بقراءة كتاب “خوارق اللاشعور” للدكتور علي الوردي، وفي بداية قراءتي للمقدمة شعرتُ بأنّي سأختلف مع الكاتب حول فكرته، ولأني شديدة الحساسية تجاه الأمور التي قد تمس العقيدة فإني شديدة الحذر تجاه كل كلمة وكل حرف.
ما فهمته من المقدمة التي قرأت منها صفحاتٍ قليلة في البداية ثم أغلقت الكتاب، أنه أثبت علميًا أن الإلهام الذي ينبثق من أغوار اللاشعور هو الذي قاد إلى قدر كبير من الإنجازات الخالدة ونجح من خلاله النابغون، وأن الإنسان يملك في أعماق عقله الباطن قوى نفاذة تخترق حجب الزمان والمكان.
بالإضافة إلى أن العديد من الجامعات أدخلت الموضوع إلى مناهجها، خصوصًا الجامعات المشهورة مثل جامعتي أوكسفورد وكمبردج التي شجعت هذا الموضوع عن طريق الهبات وتوزيع الزمالات.
لم أكن على قناعة بأن هذا الكتاب جيد للقراءة، ولكن اكتشفت أن البعض يواجه ذلك الأمر الغير مفسر في حياتهم، كم مرّة شعرت بأن شيئًا ما سيحدث، ولم يمضِ وقت طويل حتّى حدث ما كنت تتوقعه بذات التفصيل الذي شعرت به، الكثير يواجه هذا الأمر، وذلك ما دفعني لإكمال قراءة الكتاب لمعرفة التفاصيل التي يريد الكاتب إيصالها.
فعدت أمسك الكتاب وأجعل تعصبي الفكري جانبًا، وأنهي المقدمة التي ختمها الكاتب ب “أرجو من القارئ الذي لا يجد من نفسه ولعًا بمتابعة هذا البحث أن يقف عند هذا الحد فلا يتعداه.. إذ يكتفي بما قرأ في المقدمة فيريح ويستريح”
ووجدتني أجيبه، لقد اشتعل الولع في داخلي ولن يهدأ حتى أعرف تفاصيل هذا البحث وإلى أين ينتهي، فإما أن يقنعني أو أن أتخذ رأيًا مخالفًا وأبحث فيه، أو أن أكون عنصرًا محايدًا وألتزم الصمت وأنه ربما يكون صحيح وربما لا.
استوقفني جزء مما كتبه د. علي الوردي في كتاب (خوارق اللاشعور): بأن كل واحدٍ منا يشعر بأثر القوى النفسية في حياته. وبعضنا يميل إلى الإعتراف بها إذا خلا إلى أقربائه وأصدقائه المقربين.
ولعلّ الذي جعلني أصدق هذه الجزئية بأنني شخصيًا أؤمن بأن هنالك قوى ومشاعر أقوى من أن يستطيع الإنسان السيطرة عليها، فكم من مرة شعرت بأن أمرًا شائك الوقوع، ولم يمضِ الوقت حتى وقع الأمر، والأمثلة على ذلك كثير، وشخصيًا قد تكون الرؤى والأحلام خير دليل.
وأيضًا مشاعر المحبة والنفور، كم مرّة رأيت شخصًا لا تربطك به علاقة أو موقف إنما شعرت في داخلك بأنك لا تحبّ ذلك الشخص، وعلى العكس تمامًا تصادف أشخاصًا فتشعر بألفة تجاههم وكأنك تعرفهم منذُ أزمان!
وفي ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: “الأرواح جنودٌ مجنّدة ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف”. -صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب الأرواح جنود مجنّدة.
لطالما توقّفت في نقاش ما وأنا أنظر إلى الإطار العام الذي يدور حوله الحوار، فأجد أن لكل شخص يبدي رأيه وجهة نظره الخاصة، ولا أستطيع الحكم بأنه على حق أو على عكسه، إنما كل ما علي فعله أن أتيقن بأن لا أحد سيغيّر رأيه الذي هو مقتنعٌ به لمجرد أنّ هنالك من يخالفه إلا في حالة واحدة، إذا كان شخصًا واسع الأفق، ومرحب بكل إختلاف، فلابدّ أنه سيؤكد بأنه سيأخذ الرأي الآخر على محمل الجد، أتخيل لوهلة لو أننا جميعنا تعاملنا بهذا المبدأ، بأن نرحب بكلّ فكرة تخالف ما تعودنا عليه، بأن نعتبر الاختلافات هي نِعم توسّع مداركنا، ليس بالضرورة أن نتفق في الرأي، لكن الاختلاف يجعلنا نرى الموضوع من زوايا عدّة.
مؤخرًا أصبحت عندما أتعرض لمشكلة ما أو أشعر بأنّي شديدة التزمت والتعصب لرأيي أقوم بطرح المشكلة لأحاورها مع أشخاص يختلفون عنّي في الشخصية والإطار الفكري، ليس لأني أريد منهم إقناعي بآرائهم، بل لأنّي أريد أن أرى الزاوية التي لا أستطيع رؤيتها بسبب الإطار الفكري الذي يحيط بعقلي، فوجدت أن الأمر مريحٌ جدًا، لأنّي في نهاية المطاف أتخذ قرارًا عن قناعةٍ تامة، بأنّني أعرف جوانبه العديدة واختياري لقراري نابع عن قناعة تامة.
وأعتقد بأنه لابدّ أن يكون هنالك حدودًا للتعصب وللمرونة أيضًا، فالأمرين يفصل بينهما شعرة، فهنالك أمورًا لا تقبل القسمة على اثنين كالأمور العقدية والدينية والمسلمات، وهنالك أمورًا لا ينبغي التعصب فيها بل تتطلب مرونةً عالية.
فالاختلاف أمرٌ واردٌ بين بني البشر، مُذ بدأت الخليقة على الأرض، ومما ذكره د. علي الوردي بأن مما يُقال “إن المقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه، فالمثقف الحقيقي يكاد لا يطمئن إلى صحة رأيه، وذلك لأن المعيار الذي يزن به صحة الآراء غير ثابت لديه، فهو يتغيّر من وقتٍ لآخر. وكثيرًا ما وجد نفسه مقتنعًا برأي معين في يوم من الأيام ثمّ لا يكاد يمضي عليه الزمن حتى تضعف قناعته بذلك الرأي.”
فحين تجعل هنالك مسافة بين رأيك الخاص وبين رأي الطرف الآخر فأنت تمنح نفسك فرصة للتطور، من خلال النظر إلى زاوية مختلفة عن الزاوية التي تنظر من خلالها، حين تمنح نفسك المرونة بالإنتقال من مكان إلى مكان معاكس فأنت تتمتع بأفق واسع من المعرفة والرؤية، وليس بالضرورة أن يتوافق الجانبان، قد يكون كلاهما صحيحًا، وقد تكون امتزت بحسن التفكير وقوّة المنطق وبُعد النظر عمّن لبث دهرًا في مكانه لا يرضى بأن يرى من زاوية أخرى للموضوع ذاته.
“ليس من العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم ولكن العجب بالأحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف.”
وذلك ما جعل الحقيقة تختلف من إنسان إلى آخر على مر العصور..
” حيث انقسم المفكرون منذ أيام الإغريق القدماء حول موضوع الفكر البشري: هل هو الذي يخلق الحقيقة أم أنها هي التي تخلقه؟
فأحد الفريقين الذين يسمون بالأفلاطونيين يقولون بأن العقل البشري ليس إلا مرآة للحقيقة حيث يعكس صورتها من غير تغيير أو تشويه.
أما الفريق الآخر وهم السوفسطائيون ففي رأيهم أن الإنسان هو مقياس الحقيقة، وهو الذي يخلقها برغبته وهواه ومصلحته ولذا فهي تتغير من شخص إلى شخص ومن حضارة إلى حضارة. فما يكون اليوم صحيحًا قد يكون خطأً في يوم آخر، وما هو حق في رأي فريق قد يكون باطلًا في رأي آخرين..
ولم يؤيد الكاتب هذين الرأيين، بل رأى أن هذين الفريقين المتشادين في فهم الحقيقة كلاهما على خطأ، وأن المنطق الحديث لا يميل نحو فريق منهما دون الآخر، فالحقيقة ذاتية وموضوعية في آن واحد.
وأما رأي (مانهايم) وهو أحد دعائم المدرسة الجديدة في المنطق يرى: إن العقل يقتبس من الحقيقة الخارجية جزءًا ثم يكمل يضيف إليها من عنده جزءًا آخر ليكمل بذلك صورة الحقيقة كما يتخيلها، وهذا ما جعل كل فرد يحمل حقيقته الخاصة كما يحمل حقيبته.”
ويلفتُ د. علي الوردي بأنه من النادر أن نجد إنسانًا يلذ له أن يصل إلى الحقيقة وهو مغلوب أو مهان أو خاسر. وكما قال (شوبنهور): إن إرادة الحياة فوق كل شعور، وهي الغرض الأساسي في سلوك الإنسان.
“فإذا غلبت أحدًا بجدل منطقي ظننت أنك قد أرشدته إلى الحقيقة وما دريت أنك قد دفعته إلى الضلال دفعًا –ذلك أنه قد أضمر الحقد عليك وأمست كراهته لك كامنة في عقله الباطن تتحين الفرص للوقيعة بك في كل سبيل-.
فالشخص المنغمس في إطاره الفكري والذي يجمد على ما اعتاد عليه من مألوفات اجتماعية وحضارية يصعب عليه أن يكون مبدعًا أو عبقريًا.
إن الإطار الفكري مؤلف من العقد النفسية والعادات الاجتماعية والقيم الحضارية، وهذه تعتبر بمثابة العراقيل التي تقف في طريق الإبداع الحر.
فالإنسان ميال بطبيعته إلى موافقة الجماعة التي ينتمي إليها. أما العبقري فيشعر أنه ينتمي إلى البشرية جمعاء ولذا فهو يخترق حدود الجماعة التي نشأ فيها ويثور على العرف الذي يدعم كيانها. إنه يخاطب الإنسانية كلها بلغة الحب، وكأنه إنسان من نوع جديد.”
لستُ بالضرورة أتفق مع منطق الكاتب ووجهة نظره بالكامل، ولكنّي أشعر بالتقدير لإنسان قام ببحثٍ موسّع، وناقش قضية معينة، بالرغم من أني لازلت في منتصف الكتاب وقد تكون هذه المقالة فاتحة لمناقشة الكثير مما ورد في الكتاب في مقال آخر، إلّا أنني أسقطت بعض مما ذكره على أرض الواقع، ووجدتُ توافقًا إلى حدٍّ ما، ووجدتني أؤيده في بعض الأفكار، بالرغم من بعض الأفكار الواردة في الكتاب والتي قمت بطرحها للنقاش بين مجموعة من الأصدقاء والمدونات وكان الموضوع يحمل الكثير من الآراء ووجهات النظر لعلّني أطرحها في مقالة أخرى.
قد يكون لك عزيزي القارئ وجهة نظرٍ أخرى لذات الموضوع الذي طرحته وللزاوية التي تناولت منها الموضوع، وإذا كان هنالك رأي مخالف أو رأي مؤيد فإنني أسعد بأن تناقشه من خلال صندوق التعليق.
مع التنويه بأن تعبئة الخانات المطلوبة للتعليق يكون :
كتاب الاسم في الخانة الأولى
ثم البريد الالكتروني في الخانة الثانية
ثم رابط موقعك الالكتروني أو مدونتك الشخصية (إن وجد) في الخانة الثالثة.
ثم كتابة التعليق في المربع الكبير أخيرًا.
وإذا واجهت صعوبة في كتابة التعليق قم بمراسلتي عبر البريد الالكتروني الخاص:
BushraAlfarhan@gmail.com
عزيزتي بشرى شكرا لطرحك للموضوع… ولأكون صريحة أنا من الأشخاص المتعصبين لأراءهم خاصة مثلما قلتي في كل مايخص المسلمات والعقيدة، والحقيقة هذا يشكل نقطة قوة وجزء من الشخصية خاصة للانثى،وفي نفس الوقت أوافقك الرأي فتقبل رأي الآخر أمر مهم لسبب بسيط وأن لكل خلفيته وقناعاته وزاويته رغم أنني أؤمن أن المبادئ ثابتة فأراء تكون تكملة لها وبتالي واحدة فأحس أن الاختلاف يكمن في طريقة إلقاء الفكرة وإيصالها وكيفية جعلها مرتبطة بالواقع …كما أنني تحمست لقراءة الكتاب أحس موضوعه أثار إهتمامي… مقال جدا مثير للإهتمام 💖
سعدت بقراءتك وتعليقك، وأتمنى فعلًا أن تجديه كتاب ممتع
الاهم من الرأي دائمًا هو احترامه، البعض ما يعرف يناقش ويكرهك ببعض النقاشات، خاصة النقاشات اللي تدور عن شي لا بيدك ولا بيده 😢💔
صحيييح إحترام وجهة نظر الطرف الآخر مرحلة لا يصل إليها الشخص إلّا كان ذوق فكر راقي وصدر واسع
اهلا اهلا بشرى
الكتاب من اجمل الكتب الي قرائتها ولكن حقيقة كنت اشعر بالملل جداً من كثره الامثله والاستطراد ا الذي لم يوفق به برأي شخصي طبعاً ولكن كنت انبهرت كثيرا من صحة حقيقة بحثه وانطباقه كثيرا في حياتنا ، ارائنا مشاعرنا تفكيرنا حقيقة منبعثه ذواتنا وافكارنا سير حياتنا ينطبق ويسير بطريقه ماذا افكر وبماذا اشعر بتفائلي وتشائمي ، في الفتره الاخيره اصبحت اكثر تقبلا لأراء الغير واكثر احترام احاول تقبل اراء الناس وحتى تعاملاتهم لان في الاخير تفكيرهم وطريقة حياتهم لا تعنيني لا اخفي عليك بأني ارتحت واصبحت اقل توترا عن ذي قبل ، وتذكرت مقولة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيه ” استمتعت كثيرا اثناء قرائتي للتدوينه شكرا لك
شكراً على الموضوع تحمست للكتاب مره
أنا أيضا أحب أن اطرح مشاكلي على أشخاص لسماع وجهة نظرهم المختلفة فيها , و لست متعصبة لرأيي و أحاول الحوار حين يكون هناك إختلاف في وجهات النظر و احيانا لا أحب النقاش في مواضيع عقيمة و لا تساعد وجهة نظري في حلها
أما الكتاب فإني إشتريته و اخطط لقرائته خلال هذه السنة