الفراغ.. القاتل البطيء!

590de3836603ba1ab8085c96f12dcab3

 

الفراغ، القاتل البطيء الذي يُداهم حياة الكثيرين مسببًا لهم الإحباط والحزن الشديدين، وليس أي فراغ، أقصد بذلك الفراغ الذي يصحبه طموحات وأحلام وآمال معلّقة يقابلها تراخي وكسل وانتظار بشع ومميت، وكأنه حبل يلتف حول رقبة المصاب بداء الانتظار، يشد هذا الحبل أكثر فأكثر كلّما ارتفعت كمية الإحباط المصاحبة للانتظار، إلى أن يموت الشخص بالإكتئاب والحزن!

وصلني سؤال في إحدى الليالي على الخاص في الانستقرام، عن كيفية ملئ ساعات الفراغ التي طالت بسبب الانتظار والحزن على تأخر الوظيفة والزواج..إلى آخره.
وربما تلك الفتاة التي وعدتها بكتابة هذه التدوينة في هذا الشأن تنتظر ما سأكتبه، ربمَا كتبتُ لأجلها، ولأجلي ولأجل الكثيرات.

لا أستطيع أن أعدك أيها القارئ بحلول سحرية، ولا بوصفة سريعة المفعول، لأنك الشخص الأول الذي ينبغي أن يجد الوصفة والطريقة لمحاربة الفراغ، وللتخلص من المشاعر السلبية المُصاحبة له.
لكنّي سأدلي بدلوي، وبالطرق التي ساعدتني لكي أتغلّب على ذلك الشبح المُقيت (الفراغ).

أعتقد بأن السبب الرئيسي وراء شعور الفراغ هو: الكسل أولًا ، والإحباط ثانيًا، والذي يدعو لذلك هو تحديدك لقائمة معينة من الطموحات والأمنيات والأحلام، إن لم تتحقق تلك القائمة فإن الإحباط سيصيبك، وستشعرين بأن الفشل واليأس قد قاب قوسين أو أدنى من حياتك، وبأن دواعي البهجة والسعادة والفرح قد بدأت بالتلاشي، فتبدأين بإهمال نفسك، إهمال ذاتك من الداخل، وإهمال جسدك والذي يتضمن إهمال صحتك النفسة والجسدية، وإهمال مظهرك والعناية به، وإهمال عقلك وذاتك من تغذيتهما والعمل على تطويرهما!
فالبعض قد تجعل طموحها مقتصر على وظيفة معينة، إن لم تحصل على الوظيفة فإنها لن تستطيع مجابهة الحياة والعيش بسعادة، وأخرى قد تشعر بفراغ عاطفي تنتظر شريكًا يملأ ذلك الفراغ، ويمنحها السعادة التي تحلم بها، رُغم أن ذلك الشريك لن يأتي حاملًا بين يديه تاج السعادة ليتوجك به مدَى الحياة، فهو سيأتي ليُشاركك حياتك، حياتك التي اخترتها وصنعتها لنفسك، إن كانت سعيدة سيشاركك سعادتك، وإن كانت حزينة وتعيسة ومليئة بالرتابة والحزن فلن يستطيع تغييرها، وأخرى قد تربط سعادتها بمستوى مادي معين إن لم تصل إليه فإنها تعيش محبطة حزينة، وأصناف الأمنيات كثيرة!

بدايةً علينا التيقن دون شكٍ أو ريب أن الرزق سيسوقه الرزّاق إلينا، ربما ليس بالصورة التي نتخيلها، ربما على هيئاتٍ كثيرة ومتعدّدة، ربما نحن ننعمُ في الرزق ولكننا لا ننتبه له، لأننا علّقنا آمالنا وأعيننا على رزق آخر رأيناه لدى الآخرين!

قال تعالى:(ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خيرٌ وأبقى)
قال أبي بن كعب: من لم يعتزّ بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات، ومن يتبع بصره فيما في أيدِ النّاس بطل حزنه، ومن ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قلّ علمه وحضر عذابه.

مراقبة ما عند الآخرين ومقارنته بما بين يديك، والحزن على فوات حظك ورزقك يُفاقم المشكلة، ويصيبك بالحزن والحسرة الباطلة، فالصحة إذا ارتبطت بالفراغ هي نعمةٌ كبيرة وعليك استغلالها بما ينفعك أولًا وينفع المجتمع ومن حولك ثانيًا، لا سيمَا أنكِ مسؤولة عن شبابك فيما أبليته، فالشباب لن يدوم، سيبلى وعليك استغنام فرصة الشباب حتى لا تشعري بالندم عند فوات الأوان، ومسؤولة عن عمرك فيما تفنينه، فالعمر فانٍ، وعليك استثماره ليعود عليك بخيري الدنيا والآخرة.

باعتقادي أن كثرة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي دون أن يكون الدّاعي لذلك فائدةً مرجوّة يُفسد الكثير، وقد لفتتني تغريدة لإحدى المعروفات على شبكات التواصل الاجتماعي تقول فيها:

(متابعة حياة الآخرين جميلة عندما تكون لديك حياة تعيشها، لكن من السّام جدًّا أن تقضي حياتك متفرجًا دون أن يكون لديك حياة، املأ فراغك بالآخرين، لا تجعل فراغ الآخرين يملؤك)
– أروى العمراني

لامسني قولها ذاك، وشعرتُ بحقيقته، فعندما يكون لديك حياة خاصة تستمتعين بها لن تشعري بالفراغ أو المقارنة أو الحزن عند مشاهدتك لحياة الآخرين، ولكن عندمَا تراقبين حياة الآخرين وتجعلين حياتك مقابلةً لها وتبدأين في شن الحرب على ذاتك ونفسك وذلك بمقارنة ما ينقصك بما يمتلكون عندها تكونين قد حكمتي على نفسك وحياتك بالفشل، وحمّلتي نفسك فوق طاقتها.

استخدام الشبكة الاجتماعية بحاجة إلى ترشيد وتوجيه، إلى أن تتحصّن جيّدًا من أن تكون فريسة الشيطان بأن يبث سمّ الحسد والغيرة والإحباط والمقارنة السلبية في روحك وقلبك، فتفسد روحك، ويفسد عقلك وتفكيرك!
والأسلمُ في رأيي هي أن تصنعي في عالمك الخاص أشياء تحبّينها، أن تتعرفي على نفسك وترافقيها في أيامك، أن تكوني الصديق الأول لروحك، تعرفي مكنونات نفسك، ومداخل البهجة إلى روحك، فتكون أوقات فراغك استثمارًا لك، وأوقات عُزلتك أنيسةً لروحك حيث تتخففين من عبء الحياة وضجيجها وتسكنين إلى سلامك الداخلي.

والطرق إلى ذلك متعددة ويسيرة بإذن الله، إن عزمتِ على الخروج من قوقعة الحزن والإحباط، واستغلال فراغك بما ينفعك ويُسعدك:

  • – اكتشفي قدراتك ومواهبك ومهاراتك، واعملي على تطويرها وصقلها، فممارسة الهوايات التي تحبينها يوجد الشغف بداخلك، وإذا وُجد الشغف سيلوّن حياتك بألوانها الحقيقية، دون تعتيم أو تظليل.
  • – ممارسة المهارة التي لديك في مجالاتها، خصوصًا أن الانترنت يفتح لك المجال للكثير من الفرص والقنوات التعليمية التي ترفع من مستوى اتقانك للمهارة، فكثرة الممارسة تجعلك تتعرفين على أسلوبك الخاص بك، وتكتشفين نقاط قوتك، وستجدين مع الوقت أنك أصبحت أكثر ثقة بما تنتجين، ولربما مكّنك ذلك من تحويله إلى عمل خاص، أو توظيفه ليكون مصدر دخل لك، لاسيما مع وجود المنصات التعليمية التي تمكنك من حضور دورات وفصول دراسية تفتح لك مدارك كثيرة وآفاق واسعة من المعرفة منها: منصة رواق، ومنصة مهارة، ومنصة دروب…إلى آخره..
  • – التطوع في المراكز والجمعيات الخيرية والمؤسسات الغير ربحية، فالتطوع له أثر إيجابي على الفرد والمجتمع، بالإضافة إلى أنك تسعين إلى سد ثغرة في المجتمع، وإفادة غيرك، وتدريب النفس على العطاء دون مقابل، إضافةً إلى أثره الإيجابي على شخصك، من ناحية ممارسة مهارتك في بيئة حيّة، وتطوير مهاراتك كالتواصل الاجتماعي، وكسب العديد من العلاقات، وإبراز نفسك من خلال العمل الذي تقدمينه مما يجعل فرصة وصول الجهات إليك أكبر وبالتالي زيادة فرصة الحصول على عمل، مع التنويه والتأكيد على عدم إغفال أهمية النيّة الحسنة في أي عمل تقومين به، فالثواب معقود بالنية، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى”.
  • – القراءة أسلوب حياة صحي، فتزويد العقل بالمعلومات، وممارسة القراءة بشكل يومي أو على الأقل مرة في الأسبوع، يمرّن العقل على الانفتاح للأفكار، وتقبل المجتمع، والتناغم مع الحياة والقدرة على فهم مجريات الأمور، وتحليل الصراعات، وتكوين خلفية ثقافية، واكتساب محصول لغويّ جيّد، ينعكس على خطاباتك وحديثك مع الآخرين والنقاشات التي تدور بينكم.
  • – الاندماج في بيئة إيجابية تجدين فيها متعة روحك، والتخلص من الأشخاص المحبطين والذين يسمّمون روحك بكثرة العتاب والإحباط الذي لا يتخلله حبّ وحرص ومساعدة، ومن ذلك أيضًا تنقية الأشخاص الذين تقومين بمتابعتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، والتخلص من أولئك الذين يستعرضون مالديهم من نعم على سبيل المُفاخرة والاستعراض، ففي الوقت الحالي أصبح الجهاز المتنقل هو الرفيق الملاصق لك، منذُ أن تفتحي عينيك بداية اليوم إلى أن تغمضيها ليلًا، ومن المميت فعلًا أن الأشخاص الذين يرافقونك طيلة يومك هُم أشخاص بلا فائدة ولا محتوى هادف، وكل ما يعرضونه هو حياة الترف والرفاهية التي لا تعكس أي رسالة هادفة أو إيجابية، لذلك أول خطوة لتساعدي نفسك على التخلص من الإحباط هو التخلص من كل مَن يُشعرك بالإحباط سواء بشكلٍ مُباشر أو غير مباشر.
  • – لا بأس من طلب المساعدة من المقربين منك والديك وأخوتك وطلب الدعم منهم أيًّا كان نوع الدّعم، نفسي أو مادي أو معنوي، وإذا لم تستطيعين فهناك حسابات وجهات رسمية تقدم للفتيات الاستشارات الأسرية والاجتماعية.
  • – الخطوة الأولى هي الحل، ابدأي خطوتك الأولى لتحقيق الهدف الذي تريدينه، فإن كان هدفك الحصول على وظيفة فعليك بذل الأسباب للحصول عليها، معرفة متطلبات سوق العمل والحرص على اكتساب المهارة والمعرفة، والحرص على اكتمال المتطلبات من أوراق وسيرة ذاتية واضحة ومتكاملة، والبحث بالطرق الحديثة عن فرص العمل من خلال موقع طاقات وشبكة لينكد ان، وتطوير اللغة إن كانت ضعيفة لديك من خلال التعلم الذاتي عن طريق قنوات اليوتيوب التعليمية.
  • – الاهتمام بمظهرك، والاعتناء بجسدك، فلجسدك عليك حق، فرضاك عن مظهرك ينمّي رضاك الداخلي وانفتاحك على الحياة، والرضا يبدأ بتقبل تفاصيل جسدك التي لا تستطيعين تغييرها، رضاك عن الخالق في خلقته، واعتنائك بالجسد الذي هو أمانة لديك بأن تحرصين على تكوني في أحسن هيئة دون مبالغة، فمفاهيم الاعتناء بالجسد قد شوّهت وبالغ الكثير من الفتيات والكثير من مشاهير الشبكات الاجتماعية في إظهارها على أنها تحتاج إلى تكلفة مادية قد تصل إلى حد التبذير، بالإضافة إلى تعقيد الطرق والأساليب! وباعتقادي بأن المبالغة مذمومة ومُرهقة ولا تصل إلى نتائج كما يصورها البعض، يكفي بأن تحرصي على النظافة الشخصية وعلى ما أتت به السنة النبوية من توجيهات للنظافة الشخصية، بالإضافة إلى أسلوب الأكل الصحي، كأن تتجنبي الأكل فوق حاجتك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ” ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه”، وإذا كنتِ تواجهين مشكلة (الأكل العاطفي) كأن تفرغي طاقة الحزن أو الإحباط الذي لديك من خلال الإسراف في الأكل فعليك المبادرة بمساعدة نفسك على التخلص من هذه العادة، أو التوجه إلى مساعد نفسي لبدء علاج سلوكي، وباعتقادي بأن الأمر بيدك إن امتلكتِ إرادة وعزيمة على مساعدة نفسك.
  • – كتابة قائمة بالأشياء التي تُبهجك، والحرص على أن يكون محيطك نظيفًا مرتبًا يبعث على الراحة والسكينة والاسترخاء، فمن المستحيل أن تنطلقي لحل مشاكلك مالم تستطيعي البدء بترتيب سريرك وغرفتك ومحيطك ومنزلك، والتخلص من الفائض والأشياء الزائدة عن حاجتك، وجعل كل ما تقع عليه عينيك يبعث على السعادة والراحة، وتخصيص وقت للأشياء التي تحبين ممارستها، كمشاهدة فيلم وثائقي، أو فيلم يحمل قصة قيمة، وقراءة كتاب أو رواية ممتعة وتحمل فكرة مُدهشة تشدّ عقلك للتفكير والدخول إلى عالم آخر، وكتابة أفكارك وعرضها من خلال حسابك على انستقرام أو تويتر ومشاركة الآخرين الأفكار والمعلومات الجديدة، صنع طبق جديد ومثير لم يسبق لك تجربة صنعه وتقديمه لمن تحبّين، وتبادل الكلمات الطيّبة والمحفزة، فليس عليك تلقّيها فقط، بل عليك أن تمنحيها لمن يحتاجها، تلك الكلمات ستؤثر بك حين تشعرين بسعادة الطرف الآخر الذي تلقى تلك الكلمات.
  • – حضور الدورات والندوات واللقاءات والأمسيات التي تحدث في مدينتك ومتابعة الحسابات التي تُعلن عن الفعاليات الحديثة في المنطقة تجربة تستحق أن تخوضينها وتحرصي على التواجد في تلك الأماكن، لما لها من أثر كبير على نفسك وتفتح لك آفاق ومساحات للتفكير الإبداعي.

 

أتمنّى أن أكون قد وفّقت في مساعدتك ومساعدة الكثير من الفتيات اللاتي وقعن فريسة للفراغ، وتحتاج ربما إلى كلمات وتوجيهات بسيطة لتنفض غبار الكسل والتشاؤم والإحباط.
عليك أن تُدركي أنّنا جميعنَا وُجدنا على هذه الأرض لغاية وهدف عظيمين، ولا يليق بأحدنا أن يمرّ يومه رتيبًا دون بذل أو عمل وإن كان صغيرًا، فالنيّة الحسنة تعظّم العمل مهما كان صغيرًا، والاستعانة بالله أولًا وأخيرًا والدعاء الدائم بأن ينفع الله بك هو الطريقة الأولى ليُبصرك الله بنقاط القوة لديك ويمكّنك من استعمالها في أوجه الخير.
وأخيرًا أتمنّى أن تكوني في النهاية قد اكتشفتِ طريقك الذي يقودك إلى عالمِ الجدّ والإنجاز.
وسأسعد باستقبال رسائلكم وتعليقاتكم أسفل هذه التدوينة.

 

تعليقان (2) على “الفراغ.. القاتل البطيء!”

التعليقات مغلقة.