أسمِع العالم صوتك!

هل حدث وأن ارتعدَ فؤادك يومًا، هل مررت بتلك المشاعر المتماوجة ما بين تفاؤل ويأس، ما بين أملٍ وخيبة أمل، ثم وجدت في منتصف ذلك حدثًا أوقف كل الأصوات المخيفة التي تصرخ في داخلك، وأجاب على الأسئلة المحيرة في عقلك.
تطلعنا الدائم للمستقبل ربما يشكل هالة من الخوف تحيط بقراراتنا، وتجعلنا لا ننظر للوقت الراهن بقدر ما نمد أبصارنا إلى ما وراء الغيب “ماذا سيحدث بعد هذا؟”، هذا السؤال ربما يجعلنا نتخذ قراراتٍ خاطئة، أو نخاف من اتخاذ قرار صائب!
الخطأ الذي نقع فيه هو عدم اتخاذ أي قرار، خوفًا من المجهول، مع العلم أن ما نخاف حدوثه قد لا يحدث أبدًا، نحن بهذا نهدر طاقةً هائلة ونفقد جزءًا كبيرًا من قوتنا وقدرتنا على مواجهة الحياة.
قررت مؤخرًا كسر حاجز الخوف، والتركيز على ما يمليه العقل والحقائق دون توقع الفشل أو توقع حدوث شيء سيء، قررت أن أمشي بخطوات ثابتة وقوية، تيقنت بأن الأشياء التي نرغب في الحصول عليها سنحصل عليها إن نحن توجهنا لها بكامل الوعي والتركيز وباستعانة كاملة بالله تعالى.
كانت المرة الأولى التي أحضر فيها حدث TEDx، تخيّل أن تقضي ٦ ساعات متواصلة وأنت تستمع إلى تجارب نجاح وإلى حديث مليء بالتفاؤل، وبالأمل، بأن حلمك سهل المنال إن أنت عزمت وحاولت وكافحت، بأن الفشل الأول لا يعتبر نتيجة نهائية، في الحقيقة لا توجد نتيجة نهائية ما دمت تسعى وتبذل وتتعلم وتعمل، الفشل هو نهاية مرحلة وفي ذات الوقت هو بداية لمرحلة أخرى.
عقل الإنسان معجزة إلهية، وقد يحدث من الإنسان بجهله أن يقيد عقله ويحدد قدراته بطريقة تفكيره، قد يشعر أنه لن ينجح، لن يستطيع!
ما تمكن منه الآخرين ستتمكن منه أنت، لأنك بذات التكوين الإنساني، بذات العقل، الفروقات فقط في اليقين وفي الإيمان وفي الإصرار والعزيمة والهمة والصبر والمحاولة. الفروقات سلوكية وليست عقلية، الفروقات فروقات تفكير، فروقات بيئية، فروقات ليس بوسعها أن تسيطر على عقلك إن أنت لم تسمح لها بذلك.
لابد وأن نمر بعقبات وتحديات، ،كما يقول غازي القصيبي -رحمه الله- في كتابه -حياة في الإدارة-:

“الذين يعرفون فرحة الوصول لأعلى السلم هم الذين بدأوا من أسفله، الذين يبدؤون بأعلى السلم لن يكون أمامهم إلا النزول”.

اللذة تكمن في المرحلة التي نقاوم فيها ونبحث عن القرار الصحيح، وهذا تعريف الحياة بالنسبة لي، محاولة دائمة في البحث عن الصواب والتوصل إليه، الأعمال بالنيات، من يبحث عن التوفيق سيهتدي إليه، من يبحث عن الحق سيهتدي إليه، تلك سنة الحياة التي ابتدأت مع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما كانت الرغبة والنية صادقة وقوية لمعرفة الحق، فاهتدى إلى الدين القيم، الحق الذي شق طريقه من قلب سيدنا إبراهيم واستمر عبر القرون ولن ينتهي إلّا إلى الجزاء والثواب الأوفى.
تلك هي رسالتنا، البحث عن الحقيقة، وبقدر جهدك في البحث ستُسخر لك الأشياء لتجد ضالتك.
علينا مواجهة ما يخاف منه الآخرون، حين يعود الآخرين أدراجهم مهرولين وخائفين، تقدم أنت بثبات وقوة، واعلم بأن الله لا يعطي أصعب المعارك إلا لأقوى جنوده.

” أن على المرء أن يخطط لمستقبله بكل ما يملك من قوة، وأن يعرف في الوقت نفسه أن إرادة الله لا تخطيطه هي التي سترسم مسار هذا المستقبل”.
– حياة في الإدارة، غازي القصيبي.

لتتقدم إلى الأمام عليك أن تمتلك رؤية وهدف ورسالة خاصة بك، عليك أن تركز على ما تريده أنت، على رسالتك التي اخترتها لنفسك، مهما كانت الظروف، ستجد شيئًا تقاوم من أجله، ستصادف أشخاصًا يستصغرون عملك، يستصغرون حلمك، يشعرون بأنك تبالغ وكثيرًا في رؤيتك، ولكن عليك أن تعلم بأن هذه التحديات هي الوقود الذي ينبغي أن يشحن همتك، ينتظرك الكثيرون، ينظرون إليك، أنت هنا لمساعدتهم، لبذل إمكانياتك وقدراتك ليصبح هذا العالم أفضل مما يبدو عليه، وهذه رسالتنا، أن نسعى لنكون خير أمة، خير أمة بالعطاء بالبذل بالإحسان بالإخلاص.
رسالتك التي جعلتها في خدمة المجتمع، لا تقلل من شأنها ولا تسمح للآخرين أن يقللوا من شأنها، وأول خطوة لحمايتها هي السعي لتحقيقها، والسعي لنشرها، كُن قدوة بأخلاقك وبإنجازك وبأفعالك.
صادفت فتاة في أحد الملتقيات، الطاقة التي تشع من عينيها غمرتني، تحدثت بثقة عن هدفها وطموحها، رسالتها السامية في الحياة ألهمتني، قالت: “سأبذل جهدي لأطور نفسي في مجال الأعمال، حرصت على حضور كل الملتقيات والورش التي تساعدني، وأحب أن أخبرك بأنك إذا كنتِ مستعدة بنسبة ٧٠٪ ولم تبدئي فأنت متأخرة، ابدئي من الآن”
يُبهرني هؤلاء الأشخاص، يحملون مسؤولية مجتمعية تجاه كل فرد، ويسعون لنشر الإلهام، الذين تقطف من ألسنتهم أعذب الكلام، ومن أعينهم شعاع الطموح.

البداية هي الخطوة التي تحتاجها لتبدأ مشوار النجاح، قالت لي: “لا مانع بأن أفشل وأن أتعثر، لكني سأنهض وسأتعلم، أعلم بأن كل فشل سيكون في نهايته نجاح مشرق”. تحدثت بما في قلبي، يرسل الله إليك أشخاصًا لا تعلم لمَ اختاروك بين الزحام ليبدؤوا حديثهم هذا معك، تبدأ في صنع علاقات بأشخاص يشبهونك، أشخاص يحفزونك، أشخاص يلهمونك، هذه العناصر التي تحتاجها لتكمل مشوراك، أن تتواجد في الأماكن التي تنضح بهؤلاء الأشخاص، لعل أحدًا منهم يحمل إليك رسالة، لعل أحدًا منهم يبدأ خطوته الأولى بكلمة منك.

لن يهديك أحدًا مستقبلًا مشرق، لن يمهد لك الطريق، لن يمسك بيدك ويوجهك نحو المسار لصحيح، أنت الوحيد الذي ستفعل ذلك لنفسك، هم إشارات في طريقك، لوحات إرشادية، هم أصدقاء، هم إخوة، هم محبين، هم خيّرين، لكنهم لن يستطيعوا فعل شيء لم تستطع أنت فعله لنفسك.

لا تُسمعهم الصوت الذي يرغبون بسماعه، لا تردد الكلمات التي يرغبونها منك، أسمعهم الصوت الذي في داخلك أنت، اظهر بشخصيتك وبأفكارك وبعقلك، تلك هي بصمتك المتفردة، لا تجعل بصمتك تشبه شخصًا آخر، لأنك بذلك تلغي وجودك على هذه الأرض، تتحول إلى ظل، يزول بزوال الشيء، اتخذ لك حيزًا في هذا العالم، اصعد على منبر وأسمعهم صوتك، هذه رسالتك، هذا هدفك، هذه حياتك.

4 تعليقات على “أسمِع العالم صوتك!”

  1. (الله لا يعطي أصعب المعارك إلا لأقوى جنوده).
    قاعدة يستأنس بها الإنسان حين مواجهته للصعوبات.
    حين تقتحم الحياة لا تدري كيف يواجه غير المؤمن هذه الصعوبات بدون هذه الخلفيات والأسس الحاجبة بين الشخص العامل وبين التعاسة وسرعة الانسحاب والاستسلام.
    من المذهل أن النصيحة الكلاسيكية في أن المتعة في تسلق الجبل وأن وصول القمة تتويج له هي أكثر نصيحة تتداول، لكنها أكثر نصيحة يغفل عنها الإنسان وإذا كان قاصيًا عنها نهشته سباع الإحباط وضواري القنوط.
    من المهم -كشخص في منتصف العمر- أن أنبه الشباب أن درجة عظيمة من الإقبال على الحياة تنسحب من شخصيتك كلما تقدمت في السن، لا تزول في الكلية للشخص الطموح لكنها تقل، لذلك على الشباب أن يستغلوا هذا الرصيد من شعور التجربة الجديدة الموازي لأوائل العمر وبكور الشباب في مشاريع وطموحات.. فالشباب ليس مجرد قوة جسدية؛ بل رصيد من المشاعر غير المتكررة، إن الشاب لا يزال طفلًا يندهش من (جديد) الحياة بالنسبة له، هو في النهاية شخص مستجدّ على عوالم البالغين، فيظل مندهشًا منتعشًا.. وهذا رصيدٌ مؤقت قبل أن يعتاد هذه المشاعر، وهو الوقت المناسب لاستغلال هذه المرحلة.. وإلا سيكون رصيدًا مهدورًا.
    الحياة متوالية انسحابات، والذكي اللبيب من يستغل المتوفر.. قبل أن يفرّ.
    بارك الله في قلمكم.

    1. تعليقك أضاف الكثير للفكرة التي أردت إيصالها، وأضاف لي شخصيًا دافعًا لأن لا تعود خطواتي للوراء البتة..
      شكرًا جزيلًا..

  2. جعله الله قلمًا لا ينضب!
    أقرأ دائمًا: الطريق والصراعات للوصول للهَدفّ هي ألذّ وأمتع بكثير من الوصول لهدفك، وأرى تلك المتعة متجسدة في تدوينتك 💕
    مستقبل زاهر مليء بالحبّ والرضا والطمأنينة و (النجاح) أتمنّاه لك! 💕

التعليقات مغلقة.